أسامة غريب
اعتاد الناس فى مصر على تقسيم اللحوم المباعة فى الأسواق إلى قسمين: الأول يسمونه «بلدى» ويقصدون به الخراف والماشية المحلية التى تمت تربيتها وتسمينها داخل مصر.. وهذه لها مكانتها فى الضمير الشعبى ويقبل عليها الناس باطمئنان باعتبارها أكلت وشربت أمامنا وليس فى بلاد لا ندرى ماذا تطعم حيواناتها!.
القسم الثانى هو اللحم المستورد من الخارج، وهذا يطلق عليه الناس «البرازيلى» ولا يحظى هذا النوع بالتقدير الكافى بين ربات البيوت، لأنه ليس طازجاً، وقد أتى من بلاد بعيدة مجمداً، لكن الفقراء يقبلون عليه بسبب رخص سعره وقربه من أيديهم. وفى الحقيقة منذ أن قصر الإنتاج المحلى من اللحوم الحمراء عن الوفاء باحتياجات الناس، ومن ثم تضاعفت أسعاره واضطر المسؤولون لتعويض النقص بالاستيراد.. منذ أن حدث هذا والناس يخشون من أن تكون اللحوم التى يأكلونها فى المطاعم والفنادق ويدفعون فيها ثمناً غالياً هى فى حقيقتها لحوم برازيلية رخيصة وليست لحوماً بلدية كما يظنون.. هذه هى هواجس الأغنياء.
أما الفقراء الذين ذبح الحكام أحلامهم وسرقوا ثرواتهم وبددوا أملهم فى الحياة فلا هواجس عندهم من أى شىء.. إنهم يأكلون ما يجدونه دون أن يسمحوا لأى أسئلة سخيفة بأن تفسد عليهم اللحظة.
عند مساكن منشية ناصر يقف بائع الكفتة الشهير ورائحة الشواء تتصاعد من حوله، والناس يكاد يفتك بعضها ببعض لشراء رغيف كفتة ثمنه جنيهان، حيث كيلو الكفتة المشوية على الفحم بـ18 جنيها مع العيش والسلطات!.
قد يسأل البعض: ألا يعلم الناس أن هذه الكفتة التى يأكلونها لا يمكن أن تنتمى لحيوان طبيعى مما يؤكل لحمه؟ والإجابة: هم فى الغالب يعلمون.. لكنهم فى حكم المضطر.
وقد يسأل البعض الآخر: وهل لا يتصورون أن هذا السندوتش قد يقودهم إلى قسم الاستقبال بمستشفى شديد القذارة يتعذبون فيه حتى الموت؟
والإجابة: بلى يتصورون، ولكن عذرهم: «أنا الغريقُ فما خوفى من البللِ». الغريب أن هذه المعرفة لا تخيف الناس أو تبطئ من شهيتهم وهم يتناولون سندوتشات كفتة الحمار الحارة مع سلطة الطماطم والطحينة. والأكثر غرابة أنهم يتبادلون النكات أثناء الأكل، ويطلقون على البائع الذى يخدمهم لقب «المعفن». والبائعون أصحاب الدكاكين والعربات التى تقدم طعاماً من هذا النوع هم أنفسهم أصبحوا يتفاءلون بالألقاب القذرة مثل النتن والوسخ والملوث. الخبر السخيف الذى قد ينكد على الغلابة الذين قبلوا ما لا يقبله البشر وتعايشوا مع لحوم الحمير بوداعة، أن يعرفوا أن الجزار الذى سقط فى أيدى مباحث التموين مؤخراً قد اعترف بأنه كان يمارس الغش، إذ كان يصنع الكفتة من حمير برازيلى مثلجة على أنها بلدى.. وهذا فى ظنى ما لا يمكن أن يغتفر أبداً!.
نقلاً عن "المصري اليوم"