أسامة غريب
شاهدت على شاشة إحدى القنوات مشهداً لوقفة احتجاجية خارج دار القضاء العالى، تصدّرتها الأديبة الأستاذة «أهداف سويف»، وكانت تحمل لافتة تدعو للإفراج عن المعتقلين، ومن ضمنهم علاء عبدالفتاح، الناشط السياسى الذى مضى على حبسه أكثر من مائة يوم دون تقديمه للمحاكمة. ومن المعروف أن أهداف سويف هى شقيقة والدة علاء، الدكتورة ليلى سويف، الأستاذ بجامعة القاهرة. معروف أيضاً أن والد علاء هو المحامى اليسارى الحقوقى أحمد سيف الإسلام، وأن جد علاء هو عالم النفس الكبير الدكتور مصطفى سويف، وجدته هى الدكتورة فاطمة موسى، التى درّست الأدب الإنجليزى لأجيال من الأساتذة.
قصدتُ مما سبق أن أبيّن أن هذه العائلة يمتزج داخلها العلم والأدب بالنضال لصالح الفقراء.. لذلك فقد كانت دهشتى عظيمة عندما طالعت على الشاشة مجموعة من النسوة والرجال يقفون على نفس سلالم دار القضاء العالى، يهتفون بحناجر قوية، ويكيلون السباب البذىء للدكتورة أهداف، ويتهمونها وأسرتها بالعمالة والخيانة والقبض من أعداء الوطن!. كان من الواضح أن الفريق المهاجم الذى ظهر بدون مناسبة هو إجمالاً من الفقراء محدودى الدخل والتعليم، الذين يسهل إحضارهم وتكليفهم بأى مهمة قبل إعادتهم إلى قواعدهم مرة أخرى. طاف ببالى أن المحبين الحقيقيين لهذا الوطن يحيون فى كرب عظيم، وأن مهمتهم ودورهم فى الأخذ بيد المهمشين والضعفاء تكتنفها مصاعب جمّة، أهمها أن هؤلاء الفقراء أنفسهم لا يرحبون بالنضال من أجل تغيير أحوالهم.. ما يهمهم هو الوجبة التالية.. وولاؤهم الآنى يكون لمن يمنحهم الوجبة، خاصة لو كان يمسك الساندوتش فى يد والعصا فى اليد الأخرى!. كثيراً ما شغلتنى هذه القضية،حتى إننى كتبت ذات مرة موضوعاً عنوانه: الدفاع عن صاحب الحق الخسيس.. قلت فيه إنك كثيراً ما تجد نفسك مندفعاً بداعى الشهامة والمروءة إلى نجدة المظلوم وإغاثته، غير أن ذلك المظلوم عادة ما يتنكر لك ويتحد مع ظالمه، لتأديبك أنت والتنكيل بك! ربما لهذا السبب كانت ثورة 25 يناير هى ثورة الشباب المتعلم بالأساس.. الشباب الذين استأجروا من أجل قمع البلطجية والشبيحة الذين تجلى ظهورهم الفج فيما عرف بموقعة الجمل، حيث جاء الفقراء والمعدمون على ظهور الخيل والدواب ليذبحوا الشباب الذى خرج من أجل تحرير هؤلاء العبيد.. الأفضل لمن أراد أن يناضل فى سبيل الحرية أن يوفر جهده لمساعدة الأحرار، وأن ينسى فكرة تحرير العبيد، لأنهم كفيلون بإحالة حياته جحيماً، فضلاً عن أن العبيد لا خوف عليهم.. إذا انتصرت الثورة فلسوف ينالهم خيرها، وإذا انكسرت فإنهم جزء من الفئة المنتصرة.
نقلاً عن "المصري اليوم"