بقلم - أسامة غريب
لم يُثِرْ خبر مصرع بريجوجين قائد مجموعة فاجنر الروسية دهشة أحد، فمصيره قد تحدد يوم 23 يونيو الفائت عندما قاد تمردًا مسلحًا ضد الدولة الروسية وأسقط عددًا من طائرات الجيش الروسى وقتل 15 طيارًا من خيرة رجال القوات الجوية لموسكو.
ومعروف أن قائد فاجنر من أصحاب الرؤوس الساخنة، وهؤلاء لا تسهل السيطرة عليهم، كما أنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا بآرائهم لأنفسهم، وعليه فإنه لم يتردد في وصف وزير الدفاع الروسى بالفاشل وكذلك وصف رئيس الأركان بالأحمق ثم انساق وراء عواطفه فسمح لرجاله باقتحام مدينة روستوف والسيطرة على قاعدتها العسكرية ثم مضى في طريقه إلى موسكو قبل أن يتوقف في اليوم التالى بعد وساطة من رئيس بيلاروسيا.
لقد شكّل هذا التمرد إهانة شخصية بالغة للرئيس بوتين رغم أن بريجوجين قد استثناه من قائمة شتائمه واتهاماته التي وزعها على القادة الروس، لكن مَن يعرف بوتين يفهم جيدًا أنه لا يتسامح مطلقًا مع سلوك من هذا النوع، خاصة أثناء الحرب، فخطواته وإجراءاته ضد زعماء الحركات المسلحة في الشيشان مازالت في الذاكرة، ومصير زعماء القوقاز، أمثال جوهر دوداييف وشامل باساييف وأصلان ماسخادوف، يحفظه التاريخ دليلًا على طبيعة ردود أفعال بوتين ضد مناوئيه.
وحتى المليارديرات الروس الذين خرجوا عن الخط لم يسلموا من انتقامه، واسم بوريس بيريزوفسكى والمصير الذي لقيه يؤكد ما نقول. لقد قال بوتين في خطاب وجهه إلى الشعب عقب التمرد المسلح إن ما حدث يشكل جريمة وطعنة في الظهر وقال إن جميع المسؤولين عن محاولة التمرد سيلقون عقابًا لا مفر منه وسيُحاسبون أمام القانون والشعب.
صحيح أن بوتين أصدر أمرًا بعد ذلك بإسقاط الاتهامات في حق بريجوجين، لكن ربما كان قبول زعيم التمرد بالعفو واطمئنانه إلى الاتفاق مع رئيس بيلاروسيا هو خطؤه الأكبر، وهو رجل عاطفى كما أسلفنا ولا تتنافى عاطفيته هذه مع كونه مرتزقًا يقتل بالأجر، ويبدو أن التاريخ الذي ربطه بالرئيس الروسى وانتماء كل منهما إلى مدينة بطرسبورج جعله يظن أنه نجح في إهانة رموز الجيش الروسى وقتل بعض أبناء هذا الجيش ثم سيكمل مشواره بعد ذلك في إفريقيا وغيرها من المواقع التي تحتاجه فيها الدولة الروسية.
إن كل الذين تنبأوا بأن هذا الرجل سيلقى مصرعه في أقرب فرصة لم يكونوا يرجمون بالغيب، لكن دولًا أقل شأنًا من روسيا لم تكن لتتسامح مع تمرد مسلح أو تسمح لرجل كهذا أن يتبختر ويصول ويجول وينشر صوره في إفريقيا على إنستجرام دون أن يدفع الثمن، والأمر في ظنى يتعلق بكبرياء الدولة الروسية أكثر حتى من كبرياء الرئيس الروسى.
ومع ذلك فإن بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة في الإعلام الغربى قد نشروا أن موضوع الطائرة التي تحطمت قد يكون تمويهًا يبعث على الاعتقاد بمقتل الرجل، بينما ينزوى هو بعد تعديل شكله ليعيش في قرية هادئة بقية حياته. لن تتضح الحقيقة قبل مضى بعض الوقت.