بقلم - أسامة غريب
انتشرت المقولة التالية وملأت الصحف والفضاءات الإعلامية ورددها الجميع بكل الصور والصيغ.. رددها الصهاينة وحلفاؤهم الغربيون كما رددها العرب. الجملة تقول: الغزو البرى لغزة ستترتب عليه خسائر بشرية فادحة فى صفوف الإسرائيليين!.. الجميع يخشى ويتحسب ويرتجف ويقرأ الأدعية والأوراد خوفًا على أرواح جنود العدو إذا ما اقتحمت الدبابات والمدرعات والجرافات أراضى غزة. لا أحد يبدى الأسف واللهفة على أرواح النساء والأطفال والعجائز من أهل غزة. لا أحد يتحدث فى وسائل الإعلام عن الأنفس الفلسطينية التى سيزهقها العدوان ولا عن البيوت التى سيهدمها والحقول التى سيخربها ولا عن الحياة التى ستصبح مستحيلة على أهل القطاع المحاصر. كل ما يخشونه ويحذرون منه الإسرائيليين هو أن الاقتحام خطر عليهم وعلى عائلاتهم التى ستعانى آلام الثكل والفقد والترمّل. أى عالم هذا الذى نعيش فيه؟.
مقولة أخرى ترددت آلاف المرات على لسان قادة العالم الغربى وفى الميديا الأمريكية والأوروبية وأصبحت كالعلكة فى الأفواه، وصار مقدمو البرامج لا يبدأون برامجهم إلا بها وكأنها تميمة أو تعويذة يلقونها فى وجه المُشاهد حتى يضمنوا ثقته وتعاطفه. تقول الجملة: لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها. لا يلتقى زعيم عربى بحاكم أجنبى إلا ويسمع منه قبل بدء المفاوضات أنّ لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها. إسرائيل القوة النووية التى تملك تسعين رأسًا نوويًا وتملك غوصات قادرة على إبادة منطقة الشرق الأوسط بأكملها لها الحق فى الدفاع عن نفسها، أما الفلسطينيون، الذين يصنعون السلاح البدائى فى ورش تحت الأرض، فلا يذكر أحد حقهم فى الدفاع عن أنفسهم ضد الأجانب القادمين من روسيا وبولندا وأوكرانيا ومولدافيا وألمانيا وفرنسا والذين احتلوا أرض الفلسطينيين واستولوا على بيوتهم. إن تكرار هذه العبارة وكأنها درس يلقونه على مسامعنا لإخلاء مسؤوليتهم تجاه إسرائيل هو أمر شديد الغرابة، وتكمن الغرابة فى أن حق الإنسان فى الدفاع عن نفسه هو أمر بديهى لا يحتاج لأن نذكره ونكرره مئات المرات فى اليوم الواحد، وما فكرة تكراره وترديده كالأسطوانة المشروخة إلا لإدراكهم فى أعماق أعماقهم أن هذا الكيان ليس كيانًا طبيعيًا ينطبق عليه ما ينطبق على كل الأمم من الحق البديهى فى الدفاع عن النفس دون كلام!. هم يدركون أنه كيان متوحش يمارس العدوان كل يوم، ولما كانوا فى الغرب لا يستطيعون أن يذكروا هذه الحقيقة لأسباب يطول شرحها فإنهم يعكسونها ويصورون هدم الأبراج السكنية على رؤوس السكان العزّل على أنه دفاع عن النفس. هذه الجملة تكشف خفايا النفوس وتجعل الراصد المحايد يفهم هشاشة هذا الكيان ويدرك أن الغرب الاستعمارى يعرف أن إسرائيل هى الطرف المعتدى على الدوام، وأن العنف الذى يبديه الضحايا الفلسطينيون بين وقت وآخر هو الدفاع الحقيقى عن النفس ضد أن يندثروا وتندثر قضيتهم وسط عواء الأوغاد الذين ما فتئوا يقولون: لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها!.