بقلم - أسامة غريب
لسنا نجهل أن المنافسة والغيرة الفنية قد تطبع الآراء بين المتنافسين فى كتابة الشعر وتجعل بعضهم يخفى رأيه الحقيقى فى شاعر كبير يحبه لمجرد أنه يتنافس معه فى أكل العيش داخل سوق محدودة. ذكرتُ عن سيد حجاب تفضيله لثلاثة شعراء دون سواهم، لكنى مع ذلك لا أؤيده أبدا فيمن استبعدهم، وبعضهم أصحاب أفضال على الأغنية العربية مثل بيرم ومأمون الشناوى وحسين السيد وعبدالوهاب محمد، وبعضهم كتب أحلى وأطعم ما كُتب من أغانٍ مثل بديع خيرى وأبوالسعود الإبيارى. كل واحد له ذائقته الخاصة وكل واحد حر فى رأيه، لكن من يشيد بشعراء الأغنية وينسى مأمون الشناوى لا يمكننا أن نأخذه بجدية، فذلك الشاعر المثقف الفذ هو من ضمن قليلين حصلوا على شهادة جامعية فى وقت كان معظم كتاب الأغانى محدودى التعليم وبعضهم بلا تعليم!.
مازالت تدهشنى قدرته على أن يستولد المعانى ببساطة ودون عناء حتى إنه كان يضع الكلمات على موسيقى قائمة بالفعل مثلما فعل مع سيد مكاوى وأغنية «لو بتحبنى» التى غنتها نجاة، وفعل الأمر نفسه مع رؤوف ذهنى فى أغنية «سنتين وأنا أحايل فيك» التى غنتها ليلى مراد.. وهناك واقعة ذات دلالة عندما قام رؤوف ذهنى بتلحين أغنية «إيه ذنبى إيه» لعبدالحليم من كلمات مأمون، إلا أن حليم لم يعجبه اللحن وأعطى الكلمات لعبدالوهاب ليعيد تلحينها. هنا لم يتردد مأمون الشناوى فى أن يحفظ لصديقه ذهنى لحنه الجميل، فصاغ كلمات على نفس وزن وقافية «إيه ذنبى إيه» وصنع أغنية جديدة نعرفها جميعا هى «سلّم لى عليه» التى غنتها كل من نجاة وفايزة.
ورغم ارتباط اسم حسين السيد بعبدالوهاب فإن الشناوى كتب له بعض أروع أغانيه مثل: (انسى الدنيا، وآه منك يا جارحنى، وكل ده كان ليه، ومن أد إيه كنا هنا). وكتب لليلى مراد «كلمة هى كل آمالى» وكتب لها أيضا «ليه خلتنى أحبك». وكتب لنجاة (فكر يا حبيبى، وقدرت تنام، وإلا إنت). ولا ينكر أحد أن كلمات شاعرنا الكبير ساهمت فى بناء شخصية عبدالحليم حافظ الغنائية طوال الخمسينيات فكتب له: (أنا لك على طول، صدفة، نعم يا حبيبى، فى يوم من الأيام، خسارة، حلفنى، حلو وكداب، بيع قلبك، بعد إيه). وكان حليم فى البدايات يغنى كلمات ضعيفة لسمير محبوب فانتشله مأمون الشناوى ومرسى جميل عزيز وقدّما له أروع ما غنّى.
مما يميز الشناوى شاعرا أنه لا توجد له أغنية «نُص نُص» فكل أغنياته حلوة، وأنا شخصيا أحب «أكتر من حياته» لصباح بشكل خاص. أما بالنسبة لفريد فإن اسمه اقترن على الدوام بكلمات مأمون الشناوى. وهناك أغنية أثيرة لدىّ كتبها شاعرنا الكبير ولحنها رياض السنباطى من أجل أم كلثوم، لكن وفاتها جعلت الغنوة تذهب لميادة الحناوى وهى: (كل واحد منا عنده ذكريات).
الحديث عن مأمون يحتاج لمساحة كبيرة، وكذلك الحديث عن حسين السيد الذى سيأتى قريبا.