بقلم - أسامة غريب
هل تشبه صدمة طوفان الأقصى التي تعرض لها نتنياهو 7 أكتوبر 2023 صدمة يوم الغفران التي تعرضت لها جولدا مائير يوم 6 أكتوبر 1973؟. قد يشاهد الذين سيمتد بهم العمر فيلمًا في عام 2073 تنتجه إسرائيل يحكى عن غرفة عمليات إسرائيل بعد أن بوغتوا بالعملية الفلسطينية المفاجئة. كل ما نرجوه أن يكون الفيلم أقل دعائية وأكثر إقناعًا من فيلم «جولدا».
نرجو كذلك أن يكون العرب في هذا الوقت من المستقبل قادرين على صنع أفلام تمثلنا عوضًا عن استمرارهم طويلًا يستهلكون ما يعرضه الخصوم، لدرجة أن بعض العرب أصبحوا يتعاطفون مع الجندى الإسرائيلى، كما يتعاطفون أيضًا مع الجندى الأمريكى الذي يناضل في العراق وسوريا!. في فيلم جولدا يتضح بسهولة الخبث الذي تناول به صنَّاع الفيلم الهجوم الصاعق للجيشين المصرى والسورى يوم 6 أكتوبر، والمفاجأة التي زلزلت إسرائيل. لم يحاول الفيلم أن ينفى الهلع الذي انتاب القادة ولا الهزة التي غشيت رئيسة الوزراء مائير، ويتظاهر بأنهم لم يتأثروا ولكن ثبتوا في الهيجاء كما يفعل الأشاوس من بنى جلدتنا، فيسهل على الأعداء أن يتهموهم بقسوة الروح والوحشية.
على العكس سعى الفيلم لتثبيت الخوف الإسرائيلى الذي يجلب التعاطف ويضفى على القادة الإسرائيليين ملامح إنسانية لم يكونوا في الواقع يحوزون منها الكثير!. ورغم أن قصة حياة جولدا مائير قدمت على الشاشة أكثر من مرة ومثلتها إنجريد بيرجمان وآن بانكروفت، إلا أن الفيلم الحالى للممثلة هيلين ميرين كان أضعف من سابقيه، ليس لأنه ركز فقط على يوميات الحرب، وإنما لأنه سعى لتقديم جولدا غريبة عن السيدة التي نعرفها، والتى أنكرت تمامًا وجود شعب اسمه الشعب الفلسطينى، وقالت إنهم أردنيون وليس لهم عندنا أي أرض!.
قدم الفيلم جولدا التي تعاطفت مع امرأة ضمن سكرتيراتها لها ابن على الجبهة، ونقلت لنا من خلال مشاعر دامعة حالة من النبل والسمو الملائكى!. ولقد كان مستغربًا أن نجد هذا الفيلم الجديد الذي لا يزال يعرض بالخارج متاحًا على كل المنصات بالمجان، لدرجة أن اليوتيوب عرضه مصحوبًا بترجمة عربية احترافية، دليلًا على الرغبة في نشره على أوسع نطاق بين العرب. من المشاهد ذات الدلالة مشهد رئيسة الوزراء مع هنرى كيسنجر وهى تحكى له عن الرعب الذي عاشته في الطفولة في أوكرانيا، وكيف كان يخبئها والدها ليحميها من الروس والأوكران الذين اضطهدوا اليهود، ثم قولها بأن البنت الصغيرة المذعورة لم يعد لها وجود اليوم!. ولو لم يكن محدثها صهيونيًا عتيدًا لسألها: وما علاقة العرب بالرعب الذي عشته على يد الأوروبيين؟، ولماذا لم توجهى غضبك وانتقامك نحو الروس والأوكران والألمان؟، وينقلنا هذا لرسالة الفيلم الذي قدم إسرائيل الصغيرة تتعرض لهجوم عربى كاسح في سيناء والجولان.. نسى السيناريست والمخرج أن يذكرا أن سيناء هي أرض مصرية محتلة والجولان أرض سورية محتلة وأن العرب حاربوا لاسترداد أرضهم.