بقلم أسامة غريب
في عالمنا العربى هيئات ومؤسسات عديدة، الهدف المعلن من وجودها هو العمل على تعليم الكبار مبادئ القراءة والكتابة والحساب من أجل محو أميتهم. وفى مصر لدينا هيئة لتعليم الكبار ومحو أميتهم نشأت منذ سنوات طويلة، وفى الحقيقة لا أدرى كم سنة نحتاج حتى نتمكن من تعليم الكبار القراءة والكتابة.. لقد حصلنا على أكثر من ستين سنة فلم تكن كافية، أفلا يصح- والحال هكذا- أن نغلق هذه الهيئات الشكلية ونوفر الأموال المهدرة على فنكوش لا يؤتى ثماره أبداً؟! لقد كان لى حظ أن أرى بعينىّ امتحانا تم عقده في إحدى المؤسسات لأبناء المؤسسة الذين يُفترض أنهم أكملوا الكورس وصاروا مؤهلين لأداء الامتحان الذي يحصلون بموجبه على شهادة محو الأمية، فماذا رأيت في هذا الامتحان يا تُرى؟ شاهدت هذه المؤسسة تكلف بعض أبنائها من المتعلمين بأداء الامتحان بدلاً من الأميين، حتى تكون النتائج التي سيتم رفعها لسعادة وكيل الوزارة ولمعالى الوزير مبهرة!.. يعنى الموضوع أونطة في أونطة، ولا أحد جاد أو لديه الرغبة في تعليم من فاتهم القطار.. وربما كانت المحاولة الحقيقية التي شهدناها هي تلك التي قام بها الأستاذ عبدالمجيد قمحاوى وزميلته الأستاذة عايدة شكرى حين أخذا على عاتقيهما ولسنوات تقديم برنامج إذاعى اسمه «يا أهل بلدى»، كان يعلّم الأميين من المستمعين بأسلوب عبقرى غير مسبوق.. ومن المؤسف أن الأستاذ قمحاوى قد رحل عن عالمنا دون أن يفكر أحد في تكريمه أو تقييم تجربته.
ومع كل ذلك فإننى، ولأصدقكم القول، أصبحت غير متحمس لفكرة تعليم القراءة والكتابة لمن يجهلونها، وذلك بسبب إحساسى أن المنتَج الذي سيخرج بعد العملية سيكون منتجاً رديئاً، في ظل حالة الجهل التي اكتسحت المجتمع وجعلت خريج الجامعة بالكاد يعرف القراءة والكتابة! وفى ظنى أن خريج محو الأمية قد لا يزيد مستواه على مستوى خريج دبلوم تجارة ممن يعملون في العادة بعد التخرج سائقى «توك توك»، ولا يكادون يعرفون شكل الحروف العربية!.. فما الفائدة إذن من فصول محو الأمية؟ بل إننى كثيراً ما أشتط في التفكير وأتصور أن خريج محو الأمية هذا قد يتجاوز ظنى ويرتفع بتفكيره وحسه النقدى بعد إتمام دورة محو الأمية فيصير في مستوى مقدمى برامج التوك شو الليلية.. فهل يا تُرى هذه النتيجة البائسة هي ما نتطلع إليه؟ أن يكون وعى هؤلاء الفلاحين البسطاء قد انحرف وأصبح في مستوى الإنسان البليد الذي يرى أن الأرض المصرية ليست مصرية، وقد يتطوع لمحاربة أي مصرى يمتلك وثائق تثبت أن تيران وصنافير ملك مصر؟!.. أعتقد أنه من الخير أن نترك الفلاح المصرى على حاله دون تعليم، لأن التعليم في العادة يكون على يد موظفى الوحدة المحلية الذين يعشقون حسنى مبارك ويرونه سيد الثقليْن والكونَيْن من عُربٍ ومن عجمِ، بينما لو تركنا الفلاح على حاله دون تعليم فإنه سيظل ذلك العزيز الذي يموت دون أرضه، والذى لا يتردد في أن يحتوى ويأوى عبدالله النديم وأحمد فؤاد نجم، بينما السلطة التي تقيم برامج محو الأمية تبحث عنهما!.