بقلم أسامة غريب
التدين المنحرف أصعب من عضة الكلب!. ذلك أنه تقريباً لا علاج له، فى حين أن عضة الكلب يمكن البرء من آثارها بعد 21 إبرة فى البطن. والتدين المنحرف هو الذى يولى أكبر الأهمية للشكليات والمظهريات وسرد الحواديت المسلية لجمهور المستمعين، فى حين يغض الطرف عن أعظم الجهاد الذى هو قول كلمة الحق فى وجه السلطان.
التدين المنحرف هو الذى يعلى من شأن الدجالين والنصابين والمشعوذين ومفسرى الأحلام، ويجعل كل هؤلاء بمثابة الصواريخ والكبسولات التى تحمل الإنسان العبيط إلى الجنة!. لقد أصبحنا كأنما لا تكفينا برامج الدعاة الكيوت رواة الحواديت الساذجة، فأضيف إليها برامج تفسير الأحلام!.
تابعت فى الفترة الأخيرة أحد هذه البرامج ويقوم على النصب والشعوذة، فهالنى أن جمهوره شديد الضخامة، وأدهشنى تعلق البسطاء بالسادة النصابين واتخاذهم نماذج تضىء لهم الطريق المعتم.. يبدأ المتصل يروى حلمه وهو متهدج الأنفاس، يتطلع لالتماس الطمأنينة عند رجل التليفزيون الداهية، فيتلقفه هذا ويجلسه على حجره ويهدهده، ثم يأخذ فى مسح الريالة السائلة من فمه وأنفه، ثم يبشره بأن القطة السوداء التى رآها فى المنام هى شر قد أبعده الله عنه.. حلاوتك يا مولانا.. ما هذه العظمة فى التفسير!. فلما يقول السائل فى براءة إن القطة لم تبتعد بل ظلت تقترب فى الحلم.. يقول المفسر العتيد الذى لا تنضب جعبته: القطة السوداء هى الوسواس الذى داخل صدرك، ولابد أنك كنت تفكر فى شىء سيئ!.. وما الحل يا مولانا؟. الحل يا بنى هو أن تقوم فتتوضأ وتصلى ركعتين لله حتى تبتعد القطة السوداء وتخرج من صدرك!. أما إذا كانت القطة التى صادفت المغفل فى الحلم بيضاء اللون، فإن الدجال سيصور له الأمر على أنها فأل حسن، وأن خيراً كثيراً فى انتظاره.
وسائل آخر يقول إنه شاهد لبناً حليباً فى المنام، فيسأله الأخ النصاب: هل احتلمت بالليل؟. فيقول السائل: لست متأكداً ما إذا كانت الارتعاشة التى أحسست بها كانت بفعل الشبق أم بسبب تقلصات عضلة الفخذ بعد مباراة الكرة التى لعبتها بالنهار. - هل تلعب الكرة؟ - نعم يا مولانا. - الله الله.. الرياضة شىء عظيم يا ولدى.. والآن اتضح كل شىء، اللبن الذى رأيته هو مكافأة سيبعثها الله لك أنت وفريقك وستفوزون بالكأس بإذن الله!.
وبالطبع، إذا خسر السائل الكأس هو وفريقه، فإن المشعوذ النصاب لن يكون فى ورطة لأنه يستطيع أن يقول للسائل عندما يتصل به من جديد إنّ ما رآه سابقاً كان أضغاث أحلام، ولم يكن حلماً حقيقياً، كما أن السائل لم يوثق صلته بالله هو وفريقه ولهذا خسروا الكأس!.
وهكذا.. لكل حلم مهما بلغت غرابته تفسير جاهز لدى المجرم القادر دوماً على ابتكار تفسيرات ترضى العامة وتنتهى دائماً بالدعوة إلى أداء ركعتين لله.. وهذه بالطبع دعوة لا يمكن أن ينكرها عاقل، وهكذا يحصن النصاب نفسه، ويحيط هجائصه بسياج من الآيات القرآنية من أجل أن يصعّب مهمة من يبغون بالناس خيراً ويريدون تحذيرهم من النصب والنصابين.
تفسير الأحلام موجود فى كل الثقافات، إنْ على سبيل التسلية أو بفعل التفاؤل والتشاؤم، لكنه عندنا صار جزءاً من الدين.. وهذه هى المصيبة!.