بقلم أسامة غريب
في الأزمة التي تمر بها مصر حالياً والمتمثلة في تدهور الإشغال السياحى في الفنادق والمنتجعات، بعد أن قامت شركات السياحة الكبرى بإلغاء الحجوزات، يتلفت المرء حوله متسائلاً: وأين السياحة العربية؟ كيف نكون تحت رحمة الشركات الروسية والإيطالية والفرنسية ولدينا عمق عربى يتمثل في ثلاثمائة مليون مواطن يكفينا خمسة بالمائة منهم فقط حتى نعلن استغناءنا بهم عمن سواهم؟.. السؤال ليس مستغرباً إذا علمنا أن السياحة العربية تشكل رافداً مهماً من روافد الدخل لدول كثيرة سياحية مثل بريطانيا وتايلاند وتركيا مثلاً.. ورغم بساطة السؤال، فإن إجابته الصادمة هي التي تفسر سبب احتياجنا للسائح الأوروبى الذي يكاد يطلب منا عمل عجين الفلاحة حتى يرضى عنا ويعود! السائح العربى لا يعرف من تركيا سوى إسطنبول، ولا يعرف من إسطنبول سوى منطقة تقسيم وشارع الاستقلال، حيث المطاعم والملاهى الليلية، ولا يعرف من تايلاند سوى شارع سوكومفيت في بانكوك أو فنادق شاطئ باتايا حيث المساج والفرفشة.. والأمر نفسه يتكرر في بريطانيا التي لا يعرف العرب منها سوى إنجلترا فقط، ولا يعرفون من إنجلترا غير لندن ولا يعرفون من مدينة لندن سوى شارع «إيدجوير».. هذه هي بريطانيا بالنسبة لهم.. شارع إيدجوير فقط الذي طوع نفسه لهم، فامتلأ بالمقاهى ومحال الشاورمة، حيث ينام «ربعنا» حتى المغرب ثم يستيقظون ليملأوا أرصفة المقاهى، يجلسون عليها متربصين بأى فتاة عربية تمر من الشارع، وهذا لعمرى أمر شديد الغرابة.. شباب يقطعون آلاف الأميال ليعاكسوا بنت بلدهم في لندن!.
أما في مصر، فالسياحة العربية لا تعرف الأقصر وأسوان والمنيا وإدفو وبنى حسن وتل العمارنة، حيث الآثار الفرعونية العظيمة والنزهات النيلية الساحرة، كما لا تعرف سواحل البحر الأحمر وفيها الغردقة وسفاجا ومرسى علم ورأس سدر وعيون موسى وشرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، حيث البحر والشمس والجبال والغوص والاسترخاء والطبيعة، ولا تعرف المتحف المصرى الفرعونى بميدان التحرير أو متحف الفن الإسلامى بباب الخلق، ولا تعرف المتحف القبطى أو الزراعى أو الفرعونى أو أي متحف آخر، كما لا تعرف شواطئ ومدن البحر المتوسط مثل بورسعيد ورأس البر وجمصة ومرسى مطروح.. ولا حتى إسكندرية.. كذلك سيوة أو الواحات الداخلة والخارجة والبحرية والفرافرة. وكل ما تعرفه السياحة العربية في مصر هو مدينة القاهرة، ثم يتم اختزال القاهرة في منطقة المهندسين، ثم تختصر المهندسين في شارع جامعة الدول العربية حيث النوم طول النهار ثم طلعات القنص الليلية في الفنادق المجاورة أو في شارع الهرم وما حوله.. لهذا كله فإن المستثمرين وأصحاب المنشآت السياحية الذين استثمروا ثروات طائلة على شواطئ طابا ودهب ونويبع وشرم الشيخ ورأس سدر والغردقة وسفاجا وخليج مكادى وسهل حشيش والقصير، وصولاً حتى مرسى علم، لا يستطيعون المراهنة على السائح العربى الأنتيخ الذي لا يسعده الشاطئ ولا البحر ولا يفهم في الغطس والرياضات البحرية، وليس له في التأمل وانتظار ساعة الشروق من فوق جبل سانت كاترين.. خسارة!