أسامة غريب
نقلت الصحف ووكالات الأنباء خلال الأيام الماضية خبراً مثيراً عن إعدام وزير الدفاع فى كوريا الشمالية وذلك بوسيلة غير مألوفة فى تنفيذ أحكام الإعدام. قالت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية نقلاً عن تقارير مخابراتية إن وزير القوات المسلحة لكوريا الشمالية هيون يونج تشول أعدم بأن أطلقوا نحوه نيران مدفع مضاد للطائرات وذلك فى الثلاثين من إبريل الماضى.
وأكدت الوكالة الكورية الجنوبية استناداً إلى معلومات تلقتها من أعضاء فى البرلمان الكورى الجنوبى شاركوا فى مؤتمر صحفى لممثل عن الاستخبارات الكورية الجنوبية، مُنعت وسائل الإعلام من حضوره، أن وزير الدفاع الكورى الشمالى أقيل من منصبه وأعدم بسبب غفوة ألمّت به واستسلم لها أثناء عرض عسكرى فى حضور الزعيم جيم جونج أون!. قيل أيضاً نقلاً عن سيول إن وزير الدفاع رد ذات مرة على الزعيم بصورة غير لائقة، الأمر الذى أحفظ الرجل الكبير عليه وجعله ينتقم منه شر انتقام بقذيفة مدفع مضاد للطيران.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تنقل كوريا الجنوبية للعالم أخباراً من هذا النوع، فقد أذاعوا من قبل عن إعدام الرجل الثانى فى هرم القيادة لدى الجار الشمالى وهو زوج عمة زعيم البلاد بعد اتهامه بالفساد والقيام بأعمال تضر باقتصاد البلاد.
من المعروف بطبيعة الحال أن كوريا الشمالية تعتبر واحدة من أواخر قلاع الشيوعية التى مازالت صامدة ومخلصة لنهجها الاقتصادى والسياسى، كما تعتبر ضمن عدد محدود جداً من الدول مازال قادراً على مناطحة الولايات المتحدة ومجاهرتها بالعداء الحقيقى (وليس على طريقة المهرجين أصحاب نظرية أسر قائد الأسطول السادس). وبرغم أن حالة الانغلاق التام التى يفرضها الزعيم على شعبه توفر بيئة مثالية للاستبداد المخلوط بالوحشية وجنون العظمة، إلا أننا لا نستطيع تصديق كل الأخبار الواردة من هناك وابتلاعها دون مناقشة، فلاشك أن التوتر بين الدولتين الناشئتين عن انقسام كوريا عام 53 يسمح بكل أشكال الحرب الدعائية التى تروج فيها المبالغات والأكاذيب، ولاشك أن غياب الشفافية عن الحالة الكورية الشمالية والستار الحديدى المفروض هناك يساعد أيضاً على ذيوع أخبار دموية مضحكة من النوع السالف، إلا أن مسألة قتل وزير الدفاع بمدفع طيران بسبب غفوة هى أمر لا يسهل تصديقه والأقرب أن القصة مفبركة.. ولو أن هذا الوزير قد قتل فعلاً فإن الأسباب لابد أن تكون مختلفة عن حكاية التعسيلة التى أخذها فى حضرة زعيمه. نحن لا ننفى وجود بلاد يحكمها الجنون مثلما كان يحدث فى ليبيا القذافى وأفريقيا الوسطى بوكاسا، لكن الغريب أن وسائل الدعاية الغربية كانت تتغاضى عن هذين مثلما تتغاضى عن المذابح والانتهاكات إذا ما ارتكبها عملاؤهم ووكلاؤهم المحليون فى العالم الثالث، ويبدو أن الإلحاح على بيونج يانج بأخبار من هذا النوع هدفه خلق رأى دولى مستنكر ومعادٍ وقابل لأى عقاب تنوى الولايات المتحدة توقيعه عليها فى المستقبل. لذا فإننا لا نظن أن قادة الجيش وضباطه وجنوده فى كوريا قد قبلوا أن يقوم رجل مجنون حتى لو كان الزعيم بقتل وزيرهم ومعلمهم وقائدهم لمجرد أنه غفا!.هذه الحكايات كانت قاصرة فيما مضى على الأطفال يروونها لهم قبل النوم، لكن يبدو أن وسائل الدعاية الجبارة جعلت من الناس جميعاً أطفالاً صغاراً يتلهون بحكاية الملك الذى قتل الوزير بمدفع مضاد للطائرات!