توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التليفون المسروق

  مصر اليوم -

التليفون المسروق

أسامة غريب

زمان على أيام التليفونات الأرضية، لم تكن الخدمة فى مصر متوفرة لأى بيت، وكان المرء يقدم طلباً للحصول على خط تليفون ثم يقف فى طابور المنتظرين الذى كان يطول لسنوات عديدة تتوقف على قدرة السنترال وما يستجد به من خطوط، وكان المحظوظ هو من استطاع عن طريق الواسطة تجاوز الدور واختصار زمن تركيب التليفون.

فى تلك الأيام قمت كغيرى بتقديم طلب فى السنترال، ومرت سنوات من الانتظار دون جدوى سافرت بعدها خارج مصر ونسيت موضوع التليفون تماماً. ولم أعد حتى فى الإجازات التى أقضيها بمصر أذهب إلى شقتى، بل كنت أقضيها فى منزل الوالد حيث يوجد تليفون أتواصل به مع العالم.

ذات يوم التقيت مصادفة فى البلد الذى كنت به بأحد جيران المسكن فى مصر الذى سلم علىّ بحرارة وتبادل معى حديثاً ودوداً ثم لم ينس وهو يودعنى أن يهنئنى على التليفون الذى تم تركيبه فى شقتى حديثاً. أدهشنى كلامه فسألته: أى تليفون وأى شقة؟.. إننى لم أدخل البيت منذ سنتين!. أخبرنى أنه التقى على ناصية الشارع فى يوم من الشهر الماضى بعمال التليفون يحملون معداتهم وأسلاكهم ويسألون المارة عن اسمى وبأى العمارات أسكن، وأضاف أنه دلهم على البيت والشقة ثم تركهم وانصرف. قمت من فورى بالاتصال بأخى وكلفته أن يذهب إلى السنترال ويتحرى الموضوع. هناك أخبروه أنهم قاموا فعلاً بتركيب التليفون وانتهى الأمر. عندما ذهب إلى الشقة وجدتها كما هى ولا يوجد بها أثر لأى تليفون، غير أنه لاحظ أن الشقة المقابلة يمتد إليها سلك حديث واصل من لوحة التليفونات بالشارع!. ولما لم أكن أعرف السكان بالشقة المقابلة فإننى قمت بالاتصال بصاحب البيت وكان يسكن أعلى شقتى وسألته أن يفسر لى موضوع التليفون. ارتبك الرجل فى البداية ثم تمالك نفسه وانطلق يهنئنى بحرارة على التليفون الذى وصل بعد صبر، وكان مما قاله لى: لقد ظهر عمال السنترال فى العمارة يسألون عنك وأنت لم تكن موجوداً فخشينا أن يرحلوا ويضيع التليفون عليك، ومن هنا تفتق ذهنى عن فكرة طيبة قررت أن أنفذها من أجلك لأنك أخ عزيز وغال وتستحق الخدمة، فأشرت إليهم على شقة حماتى التى تواجه شقتك وأدخلتهم ثم نفحتهم بقشيشاً محترماً بعد أن قاموا بأداء المهمة وسمعت بأذنى الرنين يرتفع معلناً أن اسمك منذ اللحظة سيزين دليل الهاتف.. وأضاف الرجل: ومن الطبيعى أنك عندما تعود بالسلامة وتحتاج للتليفون سنقوم بإعادته بعد أن حافظنا لك عليه فى غيابك!.

ظللت لفترة طويلة أضحك كلما تذكرت تلك المحادثة مع الجار الذى استولى على تليفونى وقام بإهدائه لحماته التى لا يريدها أن تصعد إليه لتستخدم تليفونه، وفى الوقت نفسه يريدنى أن أشكره لأنه حافظ لى عليه، وكأن التليفونات تسقط بالتقادم مثل الأحكام الجنائية! وشعرت بالرثاء للنفوس الصغيرة التى ترتكب الكذب والخداع وتسعى لاقتناص الفرص على حساب الآخرين، وبدلاً من أن يطلب الواحد منهم أن تسديه معروفاً فإنه يسرق محفظتك ثم يقنعك بأنه حماها من الخطر الذى كانت ستتعرض له لو بقيت فى جيبك!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التليفون المسروق التليفون المسروق



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon