أسامة غريب
تموج الساحة الرمضانية بإعلانات من كل صنف ولون، حتى يكاد المرء يتصور أن رمضان ما وُجد إلا لتصريف المخزون الراكد من السلع التى لا تجد من يشتريها طوال العام.
يتوالى الإلحاح على المُشاهد بأنواع عديدة من الشاى وكل نوع يزعم أصحابه من خلال الإعلانات أنه أفضل شاى وأنه وحده القادر على ضبط مزاج المصريين وأنه يحتكر النكهة من دون الأصناف الأخرى من الشاى. وجه الغرابة فى الأمر أننا دولة لا تنتج الشاى لكن تستورده، وهى فى هذا الاستيراد لا تقوم بالتنويع بين منتجات مختلفة كما نرى فى بلاد ربنا كلها.. هناك يخيرونك ما بين أكثر من عشرين صنفا من الشاى، كلها تختلف عن بعضها فى الطعم والرائحة واللون، أما هنا فالمهزلة تكمن فى أن شحنة الشاى تتم التوصية عليها من قبل شركة استيراد تطلبها لحساب مجموعة من التجار، وعندما تصل السفينة للميناء يقوم كل تاجر بتوجيه أسطول سياراته حيث يتم تحميل نصيبه والرحيل إلى حيث مصنعه أو معمله، أياً كان مقره سواء على قطعة أرض زراعية أو فى عمق الصحراء أو تحت بير السلم، وهناك تتم تعبئة الشاى وتغليفه وتجهيزه، تمهيداً للنزول إلى المحلات وتسويقه للمستهلكين. الخلاصة أن كل الأنواع هى نوع واحد تم تقسيمه على التجار، حيث اختار كل منهم لمنتجه اسماً يميزه، ثم مضى إلى شركة الإعلانات التى تكفلت بالعمل الأساسى فى الترويج لهذا الاسم باعتباره يختلف عن أقرانه من الأسماء الأخرى، مع أنه أتى معهم على نفس المركب فى نفس الحاوية!
ولا يختلف الأمر بالنسبة للسمن عن الحالة السابقة، فالعادة أن مجموعة من التجار أيضاً تشترك فى طلبية كبيرة حتى يكون السعر رخيصاً، ثم يتم تحميل السفينة بكتلة شديدة الضخامة من مادة دهنية جيلاتينية متماسكة تزن عدة أطنان، وعند الوصول إلى الميناء يرسل كل تاجر سياراته الناقلة لتحمل نصيبه المتفق عليه من الشحنة وتمضى به إلى المصنع حيث يتم تجهيزه ومنحه بعض الإضافات قبل تعبئته فى صفائح مكتوب عليها بألوان مبهجة الاسم الذى اختاره التاجر لمنتجه، وغالباً ما يكون اسماً موحياً من أجل فتح شهية المستهلك واجتذاب ربة البيت للشراء، فهذا سمن المستقبل وذاك سمن السعادة... إلخ الأسماء التى يوحى كل منها بأن هذا المنتج رائع وجميل ومتميز عن غيره بالنكهة والترميلة، وأنه خفيف على المعدة وصحى جداً رغم كونه لذيذا وفاتحا للشهية. كل هذا يقولونه فى الإعلان مع صور لموائد عامرة بأطايب الطعام وفتيات جميلات تمتدح المنتج الذى لا تستطيع الواحدة منهن أن تستغنى عنه أبداً باعتباره يختلف تماماً عن كل ما عداه من منتجات تملأ السوق!.. هذا على الرغم من أن كل الأنواع هى نوع واحد أتى على نفس المركب وتم فصله بالمنشار ليذهب إلى صاحبه الذى لا يتحرج من الزعم بأن منتجه مختلف وكأنه صنعه فعلاً!
فى الحقيقة أن المسألة فى الشاى والسمن وغيرهما من المنتجات لا تختلف عن صناعة السيارات فى مصر، فهى لا صناعة ولا يحزنون لكنها مجرد تجميع لسيارات تمت صناعتها بالكامل فى الخارج، والجزء المصرى فى المكونات قد لا يتعدى الهواء الموجود فى الإطارات!