أسامة غريب
الرغبة فى الشهرة والأضواء كثيراً ما تسحق كرامة الناس وتنال من مقدارهم، فهناك من يحلمون بأن يصيروا معروفين وأن يحيط بهم الناس أنّى تحركوا ويشيروا إليهم فى غدوهم ورواحهم.. هذا يرضى نوازع لديهم ويخفف من احتقانهم الداخلى، كما أنه يبث فى نفوسهم الطمأنينة إلى حين!.
لكن مشكلة هؤلاء أن حب الشهرة يشبه إدمان المخدر.. فى البداية تقوم الجرعة البسيطة بدورها بفاعلية فتجلب الهدوء والسكينة، أما بعد فترة فإن نفس الجرعة لا تعود تؤدى المطلوب فيحتاج المدمن لمضاعفة الكمية وهكذا.. نفس الأمر يحدث لمن يعتادون الأضواء ويجمعون المعجبين والمعجبات..لا يشبع نهمهم أبداً ويشعرون بالضياع إذا بهتت الشهرة وانحسر الضوء وأخذ المعجبون فى التلاشى. وربما كان هذا هو السبب فى أن بعضهم لا يجد غضاضة فى إطلاق الشائعات على أنفسهم بغرض لفت الانتباه، ومنهم من يصل فى هذا الأمر لمستويات لا يصدقها عقل. ولعل هناك من يذكر الممثلة التى استعانت بأحد الصحفيين لإشاعة أن الفنان عمر الشريف قد خطبها وأن العُرس والزفاف فى خلال أيام.. فعلت هذا على الرغم من أنها كانت فى ذلك الوقت متزوجة وعلى ذمة رجل طويل عريض!.
وهناك كذلك المطرب الراحل الذى كان صبياً صغيراً عندما قدمه عبدالحليم حافظ فى إحدى حفلاته ثم تبناه فنياً ومنحه اسمه للشهرة الفنية وأخذ يدعمه ويدفع به.. هذا المطرب أراد بعد أن صار شاباً أن يستفيد من شعبية العندليب الأسمر فى جلب مزيد من الشهرة لنفسه، فسمح للصحافة أن تتحدث عن الشبه الكبير الذى يربطه بحليم فى الشكل والملامح وأن تربط بين هذا وبين احتمال كونه ابناً للمطرب الكبير، ولم يعترض عندما بدأ التلميح يتحول لتأكيدات صحفية صريحة بأنه ابن غير شرعى للمطرب الكبير من علاقة عابرة قديمة.. بالعكس صمت عن الإشاعة وتركها تنمو وتترعرع حتى أصبحت فى مقام الحقيقة فى أذهان الناس. لم يسؤه أن هذا الكلام يطعن شرف أمه ويصمها بالفجور والانحلال، لكن كل ما شغله هو أن هذه الشائعة تكفل له أن يتصدر صفحات الجرائد وأن يظل حديث الناس بصرف النظر عن فحوى هذا الحديث!.. ومن الغريب أن هذا المطرب الشاب قد مات بجرعة مخدرات زائدة وعُثر على جثته ملقاة بالشارع، فكأنما قد آثر أن ترتبط وفاته بالفضائح كما ارتبطت حياته!.
يوجد كذلك صنف آخر يشتغل بالحياة السياسية والصحفية لكن بلا إنجاز أو قبول.. وهؤلاء قد توافقوا على فكرة إبليسية أدركوا أنها تكفل لهم الشهرة والانتشار، وهذه الفكرة تقضى بأن يقيموا علاقات مع رموز صهيونية وأن يجتمعوا بهم دون داع، وبعضهم قد يتطوع بالسفر إلى إسرائيل ومقابلة مسؤولين فى الكيان الصهيونى أياديهم ملوثة بدماء العرب والتقاط الصور وهم يتسلمون جوائز السلام من القتلة والسفاحين! هذه الفكرة تكررت مرات عديدة وكفلت لأصحابها شهرة مدوية وبقاء على صفحات الجرائد لأيام طويلة.. صحيح أن هذه الشهرة قد حلت عليهم مخلوطة بالعار ومصحوبة باللعنات، لكن هذا لا يهم.. المهم هو الاشتهار والتمدد على الخريطة الإعلامية، والزمن كفيل بأن يجعل الناس تنسى أسباب الشهرة وتتعامل مع صاحبها باحترام.. وحتى لو لم يأت الاحترام فالشهرة هى القيمة الكبرى التى تهون إلى جوارها كل قيمة أخرى!.