أسامة غريب
لم يكن الشيخ كسكسى فى مستواه الطبيعى فى ذلك اليوم.. يبدو أن عارضاً صحياً استبد به؛ وهو الأمر الذى جعله يأكل فقط طبقين من الأرز تعلو كلا منهما هراديم مهردمة من لحم التيس اللذيذ. كان المألوف فى جلسة عِلْم مثل هذه أن ينسف الشيخ نصف جدى مندى مع العديد من صحاف الأرز البسمتى المطعّم بالصلصة الحارة. فى كل أسبوع كان الرجل يجتمع مع مريديه ومحبيه فى بيت أحدهم من أجل أن ينهلوا من علمه الغزير ويتزودوا بفتاواه المرحة اللطيفة التى بدلت حياتهم الكئيبة وجعلتهم يقبلون على الحياة مسلحين بيقين جديد يطمئنهم إلى أن كل ما يرتكبونه من أفعال نجسة كانوا يظنونها آثاماً فظيعة ما هى إلا لمم يسهل غفرانه.. حتى أكل مال اليتيم جعله الشيخ كسكسى إجراء عادياً ما دمت تحسن ملاطفة ذلك اليتيم وتربت على كتفه فى حنو عندما تلقاه!..ليس هذا فقط وإنما أراح فضيلته ضمائر أصدقائه الأغنياء النهمين إلى الحياة عندما طمأنهم إلى أن اقتناء الغلمان هو أمر محمود بدلاً من تركهم فى الشارع يأكلون من الزبالة ويتعرضون للاعتداءات الجنسية على يد زبانية الطرق.. هدأت نفوسهم عندما أفتاهم بأن ما يحدث بين الواحد منهم وبين غلامه مهما بلغ فُحشه لهو أفضل للولد من رفقة السوء فى الشارع! كانت الجلسات التى يتصدرها الشيخ كسكسى كل أسبوع هى أقرب إلى جلسات الأنس والمسامرة، ولم لا وللرجل أسلوب جديد يختلف عن غيره من الشيوخ المنفرين الذين يكسون وجوههم بالجدية ويملأون القلوب بالرعب عن حديث النار والسعير.. هذا الرجل يحكى لهم عن رحلاته فى جنوب شرق آسيا ويطلعهم على أنواع المساج والتدليك، كما يقص عليهم تفاصيل ما يحدث فى نوادى الإستربتيز الليلية التى أخبرهم أنه لم يدخلها قط لكن تصله أخبارها بانتظام؛ وذلك حتى يحمد الله الذى عافانا مما ابتلى به غيرنا!. وكانت نكاته المليئة بالإيحاءات الجنسية تحمل اليقين لندمائه أنه لا تعارض بين الدين والفرفشة. لم يكن كسكسى هو اسمه الحقيقى وإنما أطلقه عليه نفر من محبيه بعدما لاحظوا هوسه بأكل الكسكسى حلو وحادق.. وهو من جانبه لم يعترض على اللقب ربما لإثبات ليبراليته وتقبله الرأى الآخر!.
قام بتوديع الشلة وانصرف مبكراً حتى يلحق بفيلم السهرة الذى سيشاهده فى البيت مع الحاجّة على روتانا كلاسيك. فى الطريق مد يده إلى المحمول حتى يخطر «جماعته» أنه فى الطريق لكن شحنة البطارية كانت قد نفدت. وصل البيت ودس المفتاح فى الباب فتناهى إلى سمعه صوت رجل غريب. تراجع خطوات إلى الخلف ثم خرج إلى الشارع، ومن كشك السجائر على الناصية تلفن لامرأته وأخبرها بأنه على وصول، ثم انتابه إحساس بالرضا بعد أن نجح فى تنبيه الولية حتى تقوم بتسريب الرجل قبل أن يصل!