أسامة غريب
بعد التوصل لاتفاق إطار نهائى بين إيران والمجموعة الدولية (5+1) يحق لإيران أن تشرب كأساً من العرقسوس، نخب الاتفاق الذى- إن كانت لم تحقق فيه كل ما أرادت- نزعت به فتيل أزمة ممتدة وعنيفة خنقت اقتصادها طوال عقدين كاملين.
وقد يبدو مما تسرب من أخبار أن الإيرانيين قدموا تنازلات كبيرة فى برنامجهم النووى فيما يخص عدد أجهزة الطرد المركزى ومستويات التخصيب، مقابل رفع العقوبات المفروضة من دول الغرب ومن المؤسسات الدولية الخاضعة لها، إلا أن النظرة المتأنية قد ترى أن ملالى طهران تحلّوا بصبر عظيم، وصمدوا فى لعبة عض الأصابع، وعاشوا حرباً نفسية وحصاراً خانقاً كانت نتيجته ليس انهياراً ولا رفعاً للراية البيضاء، بل مزيداً من الاعتماد على الذات وشحذ الهمم واستنفار طاقات المجتمع ومواهب الناس إلى حدها الأقصى، مع صبر على اقتصار الحياة على الضرورات فقط وخلوها من السلع والمنتجات الكمالية وأسباب الرفاهية التى ربما تكون قد أفسدت مجتمعات الجوار العربى التى لا تنتج شيئاً، بل تستهلك كل شىء! واتفاق اليوم يأتى ليمنح الإيرانيين فسحة للتنفس ورفع القبضة الخانقة عن أعناقهم مع القدرة على تقديم قطعة شوكولاته للمواطن الإيرانى الذى صبر وخرج من المفاوضات مرفوع الرأس.
وفى اعتقادى أنه بعد سنوات عندما يتم الإفراج عن وثائق المفاوضات التى امتدت طويلاً لأزمة الغرب مع البرنامج النووى الإيرانى، فإن الدارسين للعلاقات الدولية قد يجدون بين أيديهم حالة مثالية للنجاح فى التعامل مع أزمة وإدارة مفاوضات شاقة بين دولة محسوبة على العالم الثالث وقوى كبيرة لا تتردد فى هرس الضعيف الذى يفاوضها وهو منزوع الأنياب.
نجح الإيرانيون إذن فى تقوية أنيابهم باستخدام الساحة العربية المفككة التى خاضوا فيها، وحققوا نجاحات عملت على تقوية مركزهم التفاوضى مع الغرب، وأرغمته على التعامل مع إيران باعتبارها دولة نووية حتى لو كانت بلا سلاح نووى، إذ ما حاجة إيران الآن لسلاح نووى، وهى التى ردعت إسرائيل وأخافتها من أن تجترئ على مهاجمة منشآتها النووية طوال عشر سنوات وهى بلا سلاح نووى!
فى ظنى أن المشروع النووى الإيرانى قد بدأ وأصحابه يعلمون أن العالم لن يسمح لهم بإنتاج القنبلة، لكنهم مضوا فيه لسيل المزايا التى قدمها المجتمع الإيرانى، وأهمها الالتفاف الشعبى حول المشروع الذى ضمن للدولة قدراً كبيراً من التماسك والرضا الشعبى، علاوة على بناء قاعدة علمية واسعة فى كل المجالات وقيام صناعة عسكرية أنتجت السلاح الذى قام بحماية المنشآت النووية من الهجوم الأمريكى أو الإسرائيلى.. فضلاً عن أمر آخر أستطيع أن أتصوره، وإن كنت لا أملك عليه دليلا، وهو أن إيران لا تحتاج لكل أجهزة الطرد المركزى هذه أو أجهزة التخصيب، وإنما الأمر يشبه فى أحد وجوهه ما قد يفعله مخرج سينمائى ينتج فيلماً جريئاً فى مضمونه، وفى محاولته للتغلب على الرقابة فإنه يقدم لها نسخة العمل وقد احتوت على عشرين مشهداً جنسياً وهو يعلم مسبقاً أن الرقابة ستقيم مذبحة تحذف فيها عشرة مشاهد أو أكثر، هذا المخرج سيفرك يديه جزلاً بهذه النتيجة لأنه فى حقيقة الأمر لم يكن يحتاج فعلياً لأكثر من مشهدين أو ثلاثة ليكتمل البناء السينمائى الذى يسعى إليه.. والله أعلم!.