أسامة غريب
على هامش موضوع وزير العدل الذى تفوه بتصريح عنصرى قلب الدنيا عليه ثم تدارك الموقف وقدم استقالته ترضية للرأى العام الثائر، أود أن أقدم عدة ملاحظات أسوقها بدون ترتيب: هذا الكلام لو صدر عن مسؤول غربى لكان السجن مصيره لا محالة، فالأمر هناك لا يتوقف على رضا السلطة من عدمه إنما يستطيع الزبالون إذا ما نالتهم إساءة عنصرية كهذه أن يُدخلوا المسؤول السجن ثم يجعلوه يبيع ملابسه لسداد الغرامات.
أما هنا فكلكم تعلمون أن ما نطق به الرجل ليس زلة لسان ولكنه موقف حقيقى يتم العمل به دون إعلان، فالوظائف المتميزة لا نصيب فيها لأبناء الفقراء، وغلطة الرجل الحقيقية أنه لم يكن حصيفاً بدرجة كافية ليرد على سؤال السائل بالقول: أبناء عامل النظافة مواطنون متساوون مع غيرهم فى الحقوق والواجبات وهم مرحب بهم فى الهيئات القضائية إذا توفرت فيهم شروط العلم والكفاءة.. كان يمكنه أن يقول ذلك دون العمل به مثلما فعل إيراهيم محلب رئيس الوزراء عندما بث تصريحات تتضمن تقديراً واحتراماً للزبالين والكناسين دون أن ينوى فعلياً أن يسمح لأبنائهم بالاقتراب من أسوار وزارة الحارجية أو مجمعات المحاكم أو كلية الشرطة وغيرها من الأماكن المغلقة دون الفقراء. ربما أن الوزير تماشياً مع السياق العام الذى يضرب عرض الحائط بأحلام الغلابة واتساقاً مع حالة الانفلات التى سمحت للإعلاميين بشتم الناس دون أن يطالهم أى عقاب قانونى أو شعبى.. أقول ربما أن هذه الحالة صورت للرجل أن أى كلام مهما بلغت عنصريته لن يكون محل مساءلة باعتبار أن الدفاتر دفاترنا والشيخ حسن يكتب ما يُملى عليه، وهو فى هذا محق بالتأكيد، لكن فاته أن النظام المتطلع لتحقيق أى إنجاز يرضى الناس قد يجدها فرصة ليزأر فى وجه الوزير بخشونة ويقيله أو يرغمه على الاستقالة، ولعل من حظه أنه ليس من الوزراء النافذين الذين يتم التعامل معهم على قاعدة «أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه».. هذا منحهم فرصة للتصرف كما لو أن تصريحه قد لوث ثوباً ناصع البياض وضايق سلطة تحكم بين الناس بالعدل وتمنحهم فرصاً متساوية فى العلاج والسكن والتعليم والتوظف!
غير بعيدة حكاية الفتى عبدالحميد شتا الذى تخرج بتفوق من الجامعة وقدم أوراقه لنيل وظيفة فى التمثيل التجارى وكان الأول على كل المتقدمين فى الاختبارات التى أجريت لهم.. هذا الشاب ألقى بنفسه فى النيل وفارق الحياة بعد أن قرأ النتيجة المعلقة على الحائط وبها فى خانة الملاحظات أمام اسمه أن الرفض سببه عدم اللياقة الاجتماعية! نفس صراحة وزير العدل المستقيل تحلت بها اللجنة المتوحشة فأعلنت السبب الإجرامى الذى منعهم من ضمه إلى جنتهم وهو أن أباه فلاح!
مشكلاتنا فى حقيقتها بنيوية وأعمق مما نظن وهى فى حقيقتها ناشئة عن كوننا نعيش فى غابة والناس فيها قد انقسموا فى غالبيتهم إلى شحاتين وحرامية، وكلا النوعين لا يصلحان للوظائف التى تفترض السمعة الطيبة، غير أن الثروة كثيراً ما تقفز فوق الأسوار وتغفر ما عداها بصرف النظر عن مصدرها، وهذا ما يجعل الشحاتين يشعرون بالحسرة المضاعفة وقد يقررون بسهولة فى أى وقت أن ينضموا إلى واحدة من منظمات الدواعش التى تمتلئ بها سوق الإرهاب هرباً من هذه القرية المتعاص أهلُها!