أسامة غريب
عند تشكيل وزارة جديدة وقبل بدء الوزراء فى مباشرة عملهم لابد أن يقوموا أولاً بأداء اليمين أمام رئيس الجمهورية، ومثلهم السادة المحافظون ينبغى أيضاً أن يسبق تسلمهم مهام أعمالهم حلف اليمين. ليس هؤلاء فقط الذين يحلفون بالله قبل بدء العمل وإنما القضاة ورجال النيابة، فضلاً عن الأطباء الذين لا يصير الواحد منهم مؤهلاً للكشف على المرضى إلا إذا أقسم قسم أبقراط. وقبل هؤلاء جميعاً يقوم رئيس الجمهورية بأداء اليمين أمام مجلس الشعب أو المحكمة الدستورية حسب الظروف.
كل هذا معلوم ونفهمه جميعاً، لكن ما لا نفهمه هو لماذا لا يردع القسم الكثيرين ممن أقسموا بالله عن الحنث باليمين؟ حياتنا مليئة برؤساء جمهوريات أقسموا على رعاية مصالح الشعب والنتيجة هى ما نراه: مشاكل وأزمات لا أول لها ولا آخر. هل هذا شعب أخلص من يحكمونه للقسم الذى أقسموه بكل الخشوع والامتثال الذى رأيناه على الشاشة؟ كم وزير وكم محافظ من المئات الذين تولوا المسؤولية فى السنوات الثلاثين الأخيرة لم يَخُن شعب مصر؟ كم واحد منهم لم يمد يده إلى المال العام ولم يلهط ما وصلت إليه يداه من مال المصريين؟ هل يعرف أحد من السادة القراء مسؤولاً أصابه المرض فعالج نفسه على حسابه الخاص ومن حر ماله، أم أنهم يهرعون إلى الخارج إذا ما ظهرت فسفوسة تحتاج إلى مرهم فى إصبع أى نطع منهم؟
إن الحكمة من القسم هى إقامة الحجة أمام الناس، فيشهدون على أن هذا الشخص لن يستطيع التحلل من القسم، وإلا فقد الشرف والاعتبار. ليس القسم إذن مجرد إجراء بروتوكولى وإنما هو عهد وميثاق لابد أن يُحترم وإلا تقوَّض بنيان الدولة. إن المحكمة عندما تستدعى أحد الشهود لا تجعله يعتلى المنصة ويروى ما شاهده قبل أن يقسم بالله أن يقول الحق.. لماذا تفعل المحكمة ذلك على الرغم من أن الكذب بدون قسم يشكل جريمة ترمى بصاحبها فى السجن؟ إنها تفعل ذلك لأن جريمة الكذب تحت القسم هى أعظم خطراً مما عداها، ولأن عتاولة المجرمين لا يجسرون- إلا نادراً- على الكذب تحت القسم، وذلك لما للقسم من رهبة تزلزل النفوس، ذلك أن البشر جميعاً، الأسوياء منهم والجانحون، يفهمون أنك عندما تقول: والله العظيم أشهد بالحق، فإنك تستدعى روح الله إلى المكان فيصير الكذب بعدها كبيرة الكبائر.
وربما لأجل هذا فإن الرئيس المعزول محمد مرسى قد أضاف إلى القسم الذى أقسمه أمامه رئيس المخابرات العامة فقرة تتحدث عن الولاء لرئيس الجمهورية وليس فقط للوطن!. لقد أضافها مرسى وهو يتصور أنها ستكون حصن الأمان الذى يحمى كرسيه.. ولعله يضحك الآن من سذاجته وهو يكتشف أن الإخلاص للثورة ومبادئها كان من الممكن أن يحمى كرسيه بدلاً من التحايل والالتفاف والاحتماء بالقسم وسط بيئة لا تشجع على الوفاء بالوعد ولا تدعم الالتزام بالقسم ولا تحاسب على الحنث باليمين.
إن كل ما أرجوه مادامت أحوالنا المنيلة بستين نيلة لا تجعل قَسَم الوزراء والمسؤولين مسألة تؤخذ على محمل الجد أن نلغى موضوع القسم بالله تماماً ونترك كل مسؤول وضميره دون أن نضطره للكذب تحت القسم.. وإذا كان لا مناص من القسم فليحلف على رغيف كايزر صغير لا تكون عقوبة الحنث به نار جهنم!