بقلم أسامة غريب
وصل الوضع في سوريا إلى مرحلة شديدة الغرابة، قد لا يصدقها الناس في الأجيال التالية عندما يقرأون تفاصيلها. البداية كانت الثورة ضد حكم الأسد، ثم ما تلاها من تكوين تشكيلات شعبية مقاتلة لمواجهة الجيش السورى، كان الداعمون الأكبر لها هم السعودية وقطر وتركيا بمباركة أمريكية. كانت هذه القوى مكونة بالأساس مما يعرف بالجيش السورى الحر وتنظيم أحرار الشام ووحدات حماية الشعب الكردية وغيرهم. بعد ذلك دخلت على الخط مكونات أخرى، ساعدها الأمريكان من بعيد، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. كان الغرض أن يُجهِز هؤلاء على جيش بشار، ثم تعاد صياغة سوريا وفقاً للرؤية الأمريكية. على الجانب الآخر، كان الرئيس السورى يتلقى دعماً إيرانياً ومساندة من حزب الله. بمرور الوقت، نجح تنظيم داعش في الاستيلاء على مساحة كبيرة من الأرض، ومثله فعلت جبهة النصرة، وأوشكت الحرب أن تنقلب لصالحهما.. ولما كانت هاتان القوتان في النهاية عبارة عن رافدين لتنظيم القاعدة، فإن أمريكا رأت أن توقف تقدمهما، فتم اختراع مصطلح المعارضة السورية المعتدلة، للتفرقة بينها وبين المعارضة التكفيرية التي يمثلها داعش والنصرة، وبعد ما كانت أمريكا على وشك قصف قوات بشار للخلاص منه، فإن انتصارات التنظيمات التكفيرية جعلتها تعيد النظر في الأمر نتيجة خشيتها من أن تقع سوريا بالكامل في يد تنظيم الدولة. بدأت المعارك تأخذ أشكال الكر والفر، فما يفقده بشار اليوم يستعيده غداً، ووضح للجميع الحرص الأمريكى الشديد على مساندة الأكراد دون غيرهم، فكانت معركة مدينة عين العرب (كوبانى) هي المعركة الوحيدة التي حسمها الدعم الأمريكى. وعندما بدا أن بشار على وشك أن ينكسر لم يتردد الروس في التدخل لصالحه، حتى مالت الكفة نحوه، ونجح في استرداد بعض الأراضى التي فقدها في السابق. أزعج التدخل الروسى تركيا والسعودية أكثر من غيرهما، إذ إن المجهود الحربى للطيران الروسى اتجه نحو قصف قوات المعارضة التي تلقى الدعم منهما أكثر من توجهه نحو داعش. سرت أكثر من هدنة بغرض الجلوس إلى مائدة المفاوضات برعاية أمريكية روسية، وتبيّن الآن أن روسيا انضمت إلى أمريكا في قبول تسمية المعارضة المعتدلة.
كل ما سبق ليس غريباً ولا يدعو للدهشة، لكن المذهل هو أن القوى الدولية تسعى الآن لفرض التحالف مع بشار على هذه القوى المعارضة المعتدلة من أجل قتال داعش والنصرة!
وإذا علمت أن هذه القوات تعتمد بالأساس على المتطوعين الذين هبّوا لقتال جيش بشار، فإن المسخرة تبلغ مداها.. مطلوب من الذين ثاروا على بشار وقاتلوا بهدف إسقاطه أن يصطفوا معه لقتال آخرين ترفضهم أمريكا أكثر!.. أي نوع من القوات يكون هؤلاء إذا انخرطوا في الخطة الأمريكية مقابل تزويدهم بالسلاح؟ وما قيمة السلاح إذا كان لن يستعمل ضد عدوهم اللدود، بل المطلوب أن يستخدم ضد تنظيمات تشاركهم العداء لبشار؟!
إن مصطلح الاعتدال ما زال يثبت يوماً بعد يوم أنه يشير إلى العملاء الطيّعين الذين يسمعون الكلام ولا يشكلون أي تهديد لإسرائيل، ومثالهم الأشهر هو دول الاعتدال العربى. على أي الأحوال ليس من المتوقع أن تنجح هذه الخطة، لأن المتطوعين من أفراد المعارضة المعتدلة سيأخذون السلاح الأمريكى ثم يلتحقون بصفوف داعش!