توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النعامة التى ترفس

  مصر اليوم -

النعامة التى ترفس

أسامة غريب

لم أكن أستغرب فى الطفولة أن أتلقى معاملة غير مُنصفة من الكبار بدون مناسبة. كففت عن الاستغراب والدهشة من كثرة ما لقيت من أفعال وردود أفعال لو توجهت بها للقضاء فإنها كانت كفيلة بحصولى على تعويض مناسب! 

عندما كان والدى ينادى علىَّ بصوت جهورى كنت أهرع إليه قائلاً: أيوه يا بابا.

وكنت ما أكاد أنطق بهذه الجملة حتى أتلقى الرد الصادم: جتك أوه يئويك.. ما اسمهاش أيوه.. الناس تقول نعم يا حيوان!

ولأننى لم أكن طفلاً غبياً فقد كنت أستوعب المطلوب بسرعة. وفى المرة التالية التى أسمع فيها النداء باسمى كنت أجرى بكل سرعتى لأمْثُل أمام الوالد قائلاً بصوت مرتعش: نعم يا بابا.

لكن رغم التزامى بما طلب وتجنبى أن أرد بكلمة أيوه فإنه كان يبادرنى بالقول: نعامة ترفسك!

يعنى لو قلت أيوه يتم شتمى ولو قلت نعم يتم شتمى أيضاً. فلأجرب أن أقف صامتاً دون أى كلام.. لكن ثبت لى أن الكلام أفضل بكثير، إذ يسفر عن شتيمة فقط، أما الصمت فإنه كان جالباً لكف من النوع المفتخر ينزل على صدغى!

كان يُعزِّينى ويقلل من إحساسى بالضيق أن كل أصدقائى وزملائى وجيرانى من الأطفال كانوا يواجهون ما أواجه، فلم تترك هذه المعاملة جرحاً غائراً ولا جعلتنا نكره آباءنا.

تكلمنا عن الأب.. يأتى دور الأمهات. كان الواحد عندما يقول نعم يا ماما، يتلقى الرد الفورى: جتك مَوْ! وفى تطور مهم لعملية المَوْ فإننى شهدت والدة أحد أصدقائى وهى تقول له: مَوْ لمّا يشطّح جنابك.

مازلت حتى الآن أجتهد فى معرفة ماهية المَوْ واستيضاح معنى التشطيح، وتأثيرهما إذا اتحدا على الجناب!

قبل أن يأخذك الخيال فتتصور أن آباءنا وأمهاتنا كانوا أشراراً فإننى أحب أن أذكر أن هذه المعاملة كانت تأتى فى الغالب عقب خطأ فادح أو مصيبة قام بها أحدنا. صحيح أنها كانت تأتى أحياناً بدون سبب، لكن عندما كبرنا أظن أن معظمنا أدرك أن مئات الأسباب كانت موجودة تدفع بالأب إلى الغضب والغليان.. ضيق الرزق وغياب العدالة الاجتماعية والمسؤولية الملقاة على عاتق رب أسرة يريد أن يطعم الأفواه، وأم لا تستكين ولا تهدأ منذ الصباح الباكر حتى آخر الليل. عندما كبرنا عرفنا معنى أن يكون المرض ترفاً لا يقدر المرء عليه، ومن هنا فهمت كيف أن أبى وأمى لم يكونا يستطيعان الرقاد فى السرير مثلما كنا نفعل لدى أى دور أنفلوانزا، حيث إن هناك دورا لهما فى الحياة ارتضياه وعليهما القيام بأعبائه.

لم نغضب من الآباء والأمهات الشقيانين المحبطين الذين لم يعرفوا من متع الدنيا إلا الإنجاب!.. رغم أن الواحد كان يشعر أحياناً بالظلم الفادح عندما يتلقى صفعة كان يجب أن يتلقاها رئيس أبى الذى يضايقه فى الشغل فأخذتُها نيابة عنه، أو يتلقى شتمة كان ينبغى أن تكون من نصيب البائع الحرامى الذى غش أمى فى الميزان فى السوق.

لكن تظل الحيرة قائمة فيما يخص الاختراعات اللفظية التى ابتكرها الأهل للتنفيس عن غضبهم من الدنيا فى وجهنا نحن أطفالهم الصغار، وكيف استراحوا إلى فكرة الأوَه الذى «يئوى»، والمَوْ الذى يشطّح الجناب، والنعامة التى ترفس!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النعامة التى ترفس النعامة التى ترفس



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon