أسامة غريب
تغريدات البرادعى التى اعتاد أن يطلقها من وقت لآخر أصبحت مثيرة للرثاء بشكل كبير، سواء من جانب خصومه، القدماء منهم والحاليين، أو أنصاره، وما أقلهم حالياً. يختفى الرجل لشهور ثم يظهر مؤخراً فيتمخض وينتع تغريدة تقول: متى سندرك أن العنف ليس حلاً؟.. هكذا على طريقة متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً أبيع من أجله الدنيا وما فيها!
متى سندرك أن العنف ليس حلاً؟.. هل هذا هو أقصى ما قدّرك عليه الله يا من كان أنصاره يعتبرونه خليفة مانديلا والمهاتما غاندى؟ ألا يوجد كلام أوضح من هذا تحدد فيه ماذا تقصد بالعنف، ومن هو مرتكبه، ثم تحدد موقفك منه؟
إن هذا لعمرى يشبه الداعية الشهير الذى عاش زمناً يخطب فى الناس كل أسبوع ويقول لهم كلاماً على شاكلة: إن حال البلد سوف ينصلح لو أن كل واحدٍ بدأ بنفسه، وإن تطبيق الشريعة سهل جداً لو أن كل واحد قد طبقها على نفسه!.. يقول الرجل هذا الكلام الفارغ وجمهور المستمعين فى الاستوديو وملايين غيرهم فى البيوت يهللون ويهتفون من أعماقهم: الله.. قل كمان يا مولانا. هذا على الرغم من أن الرجل لم يقل شيئاً مفيداً وكل ما قاله هو: لو كلنا أصبحنا حلوين ستصبح الدنيا حلوة.. هذه ليست روشتة إصلاح ولا هى برنامج عمل إنما هى ضمن ميراث الهجايص الذى ورثناه عن القدماء، وتدخل فى «فن القول» الذى يطرب العربى من قديم الأزل. وعند العرب ليس مهماً أن يتعرض الجيش للهزيمة مادام القائد بعد أن تلقى طعنة رمح قد جلس على الأرض ينزف دماً ثم غمس إصبعه فى جرحه وكتب على الأرض بيتين من الشعر يملآن الدماغ ويعمران الجمجمة الفارغة للسادة الأنصار، الذين سيضربون صفحاً عن الهزيمة الثقيلة ويتغنون بأبيات الشعر الجميلة!
لهذا ليس غريباً أن الأغنية التى واكبت مرحلة: «إنّ حال البلد سينصلح لو أن كل واحدٍ بدأ بنفسه»، كانت أغنية «سلامتها أم حسن»، ولعل الغنوة كانت تردّ على السيد الداعية أبلغ رد، فهذا الرد يختصر كلاماً كثيراً مجانياً كان يمكن قوله للداعية الخطير، منه مثلاً أن بعض الذين استمعوا إلى خطبته وصدقوها قد بدأوا بأنفسهم فعلاً ولم يلتفتوا لغيرهم، وكانت النتيجة أنهم انعزلوا واغتربوا ثم امتلأوا بالحنق والغضب، وفى مرحلة تالية حملوا السلاح وتحولوا لإرهابيين.. وكل هذا لأن داعيتهم اللذيذ بدلاً من أن يقول كلمة حق فى وجه سلطان جائر، وبدلاً من أن يدل الناس على أن صلاح الحاكم هو الذى يُصلح الرعية، وبدلاً من أن يقول لهم إن هذا الصلاح لن يكون إلا من خلال الديمقراطية والتعددية السياسية ونشر الحريات وتقوية المجتمع المدنى.. بدلاً من أن يقول هذا كله، أطلق حنكاً سخيفاً فسر الماء فيه بعد الجهد بالماء، وترك الجمهور يتخبطه المس من النشوة بمقولته الحكيمة!
هذا هو نفس ما يفعله الأخ البرادعى الآن.. يقوم من النوم فيجلس على المكتب ويطلق تغريدة تقول للناس إن العنف ليس جميلاً، وإن الهجر كُخ كُخ، والحب دح دح، ثم يسدل الستائر ويطفئ النور ويسحب الغطاء ويعود إلى نومه متصوراً أنه قام بواجبه نحو الوطن.