أسامة غريب
أثار ظهور حمار فى ساحة المطار لغطاً كبيراً خلال الأيام السابقة، فليس من المألوف أن يرى الناس حماراً فى ساحة انتظار السيارات بالمبنى رقم واحد أو أى مبنى آخر من مبانى المطار. تعددت الروايات بشأن الحمار وكيفية وصوله، وبات الجمهور ساهراً أمام شاشات التليفزيون ينتقل من قناة إلى أخرى، وفى كل محطة توجد فقرة مطولة عن الحمار العجيب الذى اخترق الكمائن والتحصينات الأمنية، وذهب يلهو عند صالة 3 بالمبنى القديم.
معروف طبعاً أن الحمير لا تعيش وحدها، بمعنى أنه لا توجد حمير ضالة مثل الكلاب والقطط، فلكل حمار صاحب.. وقد ألف الحمار، واعتاد الحياة وسط البشر وفى خدمتهم، لهذا لن نجد أبداً حميراً تعيش فى الغابة، على الرغم من أن الغابات تعج بأنواع كثيرة من الحيوانات التى تعيش على العشب، ولا تفترس غيرها من الكائنات.. الحمار وحده لا مكان له فى الغابة، لأنه لا يستطيع الحياة دون وجود إنسان يرعاه، ويطعمه مقابل الخدمات الجليلة التى يحصل عليها منه. لذلك كان أمراً فى غاية الغرابة أن يظهر حمار بساحة المطار دون أن يظهر معه الراعى أو العربجى.
وقد كان ممكناً لو كنا فى الريف أن يقل عجبنا وتنحسر دهشتنا، ذلك أن حمار الريف من المألوف أن يسير وحده فى الطريق التى علمه صاحبه أن يسلكه كل يوم.. من الممكن أن يسير الحمار فى الطريق من الحقل إلى البيت أو العكس لتوصيل أشياء والعودة بأشياء لصاحب الحمار، أما فى المدينة، فهذا غير ممكن، وكل حمار فى الغالب مرتبط بعربة يجرها، وقد كان النشاط التجارى إلى وقت قريب مرتبطاً بالحمار كوسيلة نقل وانتقال، وكان التاجر صاحب الحمار يضع على العربة ما شاء من بضائع يسرح بها فى المدن والبلدات، كما كانت عربات الكارو تستخدم كوسيلة مواصلات ووسيلة لنقل البضائع، وأذكر أننى عندما عشت فى مرسى مطروح فى الثمانينيات لم تكن هناك وسيلة مواصلات بالمدينة سوى عربة مغطاة بالأقمشة يجرها حمار.
لكل هذا فإن مسألة أن يسرح حمار وحده فى المدينة، ويتجول فى مدينة نصر أو مصر الجديدة قبل أن يشق طريقه نحو المطار- هى مسألة لا تدخل العقل، ولا يمكن أن نقتنع بالتفسير الرسمى الذى تحدث عن ثغرة أمنية استغلها الحمار للوصول إلى ساحة المطار، فأى حمير هذه التى تستغل الثغرات الأمنية؟! فضلاً عن أن الطرق الموصلة إلى المطار معروفة، ولا تتغير، وتتخللها عدة نطاقات أمنية لا تسمح بالمرور دون الكشف والتحرى والاستجواب.. وحتى إذا تجاوز الحمار الكمائن الأمنية، فأنّى له أن يعبر بوابات الكارتة التى لا تسمح لأحد بالمرور دون دفع الفيزيتا؟! فهل يا ترى دفع الحمار أم أنه «مصلحة» ومعفى من الكارتة؟!
ليس هناك حل فى تقديرى سوى أن اللهو الخفى الذى يعيث فى البلد لعباً وعبثاً هو صاحب هذا الفيلم، وأعتقد أن «اللهو» هو الذى أدخل الحمار إلى ساحة المطار، وهو الذى قام بتصويره، ثم أرسل الفيلم إلى الفضائيات، وأوعز إليها أن تقيم سهرة على شرف الحمار على كل القنوات، وذلك من أجل الفرفشة وصرف انتباه الناس عن حالات التسمم وباخرة الفوسفات وعاصفة الحزم وولاية الصعيد التى أعلنت داعش اعتزام إقامتها فى جنوب مصر.. ومن لديه تفسير آخر فليدلنى عليه!