أسامة غريب
كلما قرأت عن جولة جديدة لما يسمى «حوار الأديان» غرقت فى الضحك، ذلك أننى لا أفهم كيف يمكن أن يكون هناك حوار بين الأديان أو بالأحرى بين ممثلى هذه الأديان.. وقبل هذا لا أفهم كيف يتم اختيار ممثلى الأديان من بين عشرات الألوف من رجال الدين.. هل بالقرعة أم أنهم يدخلون تصفيات قد يحتكم فيها لضربات الجزاء الترجيحية لتقرير مَن الذى يسافر ويحصل على بدل السفر والإقامة المجانية وعدسات المصورين قبل أن يعود إلى بلده مكللاً بغار التسامح وقبول الآخر، وهى المصطلحات الأثيرة فى مؤتمرات حوارات الأديان؟
لقد أنشأوا على ضفاف هذه المصطلحات مراكز عديدة فى مختلف عواصم العالم، تتبارى فى استضافتها لمؤتمرات حوارات الأديان، وتتفوق فى هذا الصدد العواصم التى أتى منها المتهمون بالإرهاب من جانب الغرب، ربما درءاً للتهمة وإثباتاً لحسن السير والسلوك.. وأحياناً تتفضل عاصمة غربية باستضافة مؤتمر من هذه تقدم فيه ورقات عمل وورش عصف ذهنى ومحاضرات، خلاصتها أننا جميعاً يجب أن نحب بعضنا بعضاً، ونتحلى بالخلق القويم، ونساهم فى نشر السلام والمحبة فى ربوع الأرض. والحقيقة أننى لطالما تمنيت أن تدعونى هيئة أو مركز من مراكز حوار الأديان لأستمتع بالأنس والسرور والنزهات والجولات المجانية، ثم أعود منها لأجلس مع هؤلاء الناس وجهاً لوجه وأنظر فى أعينهم وهم يتحدثون، ذلك أننى أعتقد فى نفسى القدرة على سبر أغوار البكاشين وكشف دواخل الأونطجية وتشمم رائحة العيارين من كل صنف ولون!. ويا حبذا لو كان الحوار مقصوراً على من نسميهم أصحاب الديانات السماوية حتى يكون الضحك للركب، ذلك أن المسلمين فقط هم من يقرّون بوجود ثلاثة أديان سماوية هى: الإسلام والمسيحية واليهودية، أما المسيحيون فيؤمنون باثنين فقط: المسيحية والإسلام، وطبيعى أن أبناء شعب الله المختار «اليهود» لن يتصوروا وجود دين سماوى حقيقى غير رسالة موسى. وهذا الاعتقاد من جانب أصحاب الديانات منطقى تماماً، فلو أن المسيحيين أو اليهود آمنوا بنبوة محمد وأقروا بصحة رسالته لصاروا مسلمين!.. هذه هى الحقيقة، ومع ذلك فإنهم يجلسون مع بعض متظاهرين بالتسامح والورع، ينتقلون من جلسة الحوار إلى بوفيه الغذاء، ثم يعودون لجلسة حديث عن الحنان والمحبة قبل أن يسهروا مع حفل كوكتيل فى باخرة أسطورية أو فندق باذخ.
واقع الأمر أننى عندما تحدثت عن البكش والأونطة لم أكن ألقى بالتهم جزافاً، ولكن أحداً ممن شاركوا فى حوارات من هذا النوع قال على مسمع منى إنه نجح فى هداية بعض حضور المؤتمر إلى الإسلام! وهذا هراء بكل معنى الكلمة أولاً، لأن المؤتمر غرضه الحوار وليس الدعوة، وثانياً لأن معظم الحضور من كل الأديان هم فى الغالب من غلاة المتعصبين الذين لا يبيع أحدهم معتقداته التى يأكل منها الشهد من أجل كلمتين سمعهم من رجل طيب على الماشى!. وإذا كانت هذه اللقاءات تتم بغرض التعارف ومحاولة فهم الآخر، فهل ينقل السادة الحضور لأتباعهم الأشياء الطيبة التى لمسوها فى أديان الآخرين، فيساهمون بهذا فى تبوير بضاعتهم القائمة على تسفيه الآخر والسخرية من معتقداته المضحكة!.
أعتقد أن المشاعر الحقيقية التى يكنّها ممثلو الديانات المختلفة لغيرهم ستظل مخفية، ولو أنهم أفصحوا عنها فلربما قاموا بسب الدين لبعضهم البعض!.