أسامة غريب
كنت قد تعرضت منذ فترة إلى حادث عندما مالت سيارة طائشة نحوى، مما اضطر سيارتى إلى الانحراف الحاد والاصطدام العنيف بالرصيف. وقتها أحسست أن زلزالاً قد رجّ كيانى ثم ذهبت فى غيبوبة لعدة دقائق. عندما بدأ الوعى التدريجى يعود انتبهتُ إلى صوتى يردد بوهن شديد وأنا ملقى بأرضية السيارة: آه يا امَّه..تعالى لى يا امَّه.
لا أدرى لماذا تذكرت الآن فقط ما كنت أردده فى اللحظات ما بين الغيبوبة والإفاقة، ولماذا كنت أطلب أمى بدلاً من أن أفكر فى طلب الإسعاف؟ وماذا كانت والدتى تستطيع أن تفعل لو أنها لبّت النداء وحضرت غير أن تستدعى الطبيب؟. حادث آخر وقع لى منذ سنوات بمدينة نيروبى وفيه تعرضت لهجوم عنيف قام به مجموعة لصوص بهدف سرقتى بالإكراه.. حدث هذا بينما كنت أسير على الرصيف فى ميدان «جومو كينياتا» الذى يشبه ميدان التحرير فى اتساعه وازدحامه.. فوجئت بقبضة جبارة تنقض على عنقى من الخلف وترفعنى لأعلى حتى ضاق تنفسى وبهتت الصور أمامى وأنا أرفع يدى إلى أعلى التماساً للهواء، ثم إحساسى وأنا أصارع الموت بعدة أياد تمتد فى اللحظة ذاتها إلى جيوبى كلها فتفرغها من محتوياتها بصورة بالغة العنف أدت إلى تمزق البنطلون وشقّه طولياً من الجيب الخلفى حتى الأرض، وكذلك تهلهل القميص وتحوله إلى خرقة ممزقة. لم ينقذنى من أيديهم سوى سقوطى بين أيديهم فى إغماءة حفظت حياتى ومنعت عنقى من الكسر وقصبتى الهوائية من الانسحاق. عندما بدأت الصور تعود وأنا نائم على ظهرى على الأرض المبتلة بالمطر أتطلع إلى السحاب يمضى مسرعاً، سمعت نفسى أردد وأنا ما زلت فى سكرات الحدث: آه يا امَّه..تعالى لى يا امَّه!. ليست إذن هذه هى المرة الأولى التى أطلب فيها الحاجّة أمى وأنا فى أشد لحظاتى ضعفاً واحتياجاً للعون، وإنما كل مرة تتلاشى فيها قدراتى وتنزوى ملكاتى وأوشك على الهلاك لا أجد سوى أمى أناديها لتنقذنى على الرغم من تنافى هذا مع العقل والمنطق.. ولكن أى عقل وأى منطق والناس من قديم الزمان تلوذ فى الأزمات بالأولياء والقديسين، الحقيقى منهم والزائف، فنرى من يتوسل بالسيد البدوى لقضاء حاجته، ومن يقف على باب حفيد النبى متضرعاً: شىء لله يا حسين، ومن يستنجد برئيسة الديوان السيدة زينب. كذلك يقف أهل مصر راجين السيدة العذراء مريم أن تقف إلى جانبهم فتزيح عنهم الهم وتقيلهم من عثراتهم، ومنهم من يذهب إلى سانت تريز وإلى القديسة دميانة.. كما أن الضعف والحاجة كثيراً ما ألجأ الناس إلى الاستغاثة بالشيخ الحريتى والشيخ الكريشى والبوريشى والبيضانى وغيرهم، وبعض هؤلاء ليسوا سوى نصابين تم دفنهم فى أضرحة نتيجة احتياج الناس إلى أى أحد يضفون عليه قداسة حتى يستدعوه وقت الحاجة ليدرأ عنهم الخطر ويهش عنهم الذئاب.
هذا ما يفعله الناس فى الشرق والغرب.. فى العالم المتقدم والعالم المتشخرم، فلماذا أستغرب فى نفسى أن أستغيث بسيدة النجاة خاصتى والقديسة الوحيدة التى أؤمن ببركاتها؟ وما الذى يدهشنى أن أنسى كل الناس وأنادى واحدة من أولياء الله الصالحين جربتُ مراراً كراماتها، ولمستُ تأثير شفاعتها وعرفتُ ما الذى تستطيع تقديمه دون مقابل.