بقلم أسامة غريب
التصق لقب «مطرب الملوك والأمراء» بالموسيقار محمد عبدالوهاب وحده، وذلك على الرغم من أن مَن سبقوه ومَن أتوا بعده كانوا جميعاً جديرين بنفس اللقب، وعلى رأسهم عبدالحليم حافظ. كان «حليم» معبراً عن العهد الجديد، وقد أحس الشعب بأنه يمثله، بعد أن غنّى للسد العالى وبستان الاشتراكية. ولكن من العجيب أن «مطرب الثورة» قد غنى كذلك للملوك والرؤساء من أعداء الثورة وممن كان يُطلق عليهم ناصر «القوى الرجعية».. غنى لهم أكثر مما غنى للزعيم المصرى نفسه!.. ولئن كان «حليم» قد حرص فى حياته على إخفاء عشرات الأغنيات التى غناها للملك الحسن الثانى، ملك المغرب، والرئيس الحبيب بورقيبة، رئيس تونس، وللأمراء فى الخليج، فإن هذا الأرشيف أصبح متاحاً الآن على الإنترنت، ويمكن للجميع أن يطالع أخبار الرحلات التى كان «حليم» يقطعها عدة مرات فى السنة ليغنى لملك المغرب فى عيد ميلاده وعيد جلوسه وأعياد ميلاد وطهور أنجاله.. وللأمانة لم يكن «حليم» يذهب وحده، وإنما كان دائماً بصحبته فريق من الفنانين والفنانات يقيمون فى معية الملك، وهناك حكايات عجيبة تُروى عن مؤلفى الأغانى والملحنين الذين كانوا يتواجدون دائماً بالفندق من أجل التأليف والتلحين الفورى إذا دعت الحاجة!. ويحتفظ الأرشيف بأغانٍ كثيرة غناها «حليم» لملك المغرب، منها واحدة تقول: «الماء والخضرة والوجه الحَسَن/ عرائسٌ تختال فى عيد الحَسَن»، وكذلك أغنية «بلد الحبايب»، والأغنيتان تأليف مرسى جميل عزيز وتلحين بليغ حمدى، وأغنية «ليلة قمر»، التى كتبها محمد حمزة ولحنها حلمى بكر.. ويستمر سلسال الأغانى: «السفينة وصلت عالبر»، محمد حمزة ومحمد الموجى.. «فى يوم ميلادك يا الحَسَن»، محمد حمزة وحلمى بكر.. و«عشتَ يا الحَسَن»، محمد حمزة ومحمد عبدالوهاب.. و«الليلة جينا نهنّى»، محمد حمزة ومنير مراد.. و«أقبل الحَسَن علينا»، «حمزة» و«بليغ».. و«تدانى الحب»، عبدالوهاب محمد وحلمى بكر.. و«رأيت فى مولد الرشيد عيدى»، و«غنِّنا وردِّد واصدح يا زمن»، عبدالوهاب محمد و«الموجى». شلال متدفق من الأغانى، فى مولد لم يتأخر فيه أحد، حتى إن حلمى بكر ومحمد سلطان، اللذين لم يسبق لهما أن لحّنا لـ«عبدالحليم»، لم يرَ مطربنا الكبير مانعاً من قبول ألحانهما فى هذه المناسبات المفترجة!.
أما الحبيب بورقيبة، مَلِك تونس، أو رئيسها، لا فرق، فقد ناله جانب طيب من مديح «حليم»، الذى غنى فى عيد ميلاده من كلمات الشاعر التونسى عبدالمجيد بن جدو، كلمات تقول: «يا مولعين بالسهر هنا يغنى العندليب/ والنجم يزهو والقمر فى عيد ميلاد الحبيب».. ثم يمضى منشداً: «ميلاده كان فجراً وفتح عهد سعيد/ تعيش تونس فيه فى ظل عصر جديد. وأنت فى الناس حراً والظلم لا ترضاه/ كرهتَ قيداً وأسراً وأن تُذل الجباه». الحبيب بورقيبة، صاحب القبضة البوليسية الرهيبة، امتدح «حليم» عدله وكرمه وسماحته!. هذا غير أغنية غناها فى عرس أمير خليجى، يقول مطلعها: «والله واتلمّت الخيَّالة/ فى كتْب كتاب عبدالعزيز على هالة».. ولا تسألنى مَن «عبدالعزيز» ومَن «هالة»، لأنى لا أعرف سوى أنهما الكفيلان اللذان قاما بسنجفة المطرب والمؤلف والملحن!