أسامة غريب
من المريح للإنسان أن يؤمن بالحياة الأخرى وبالجنة والنار.. هذا من شأنه أن يمنحه بعض الرضا ويساعده على احتمال قسوة الحياة. وإنه لأمر محبط أشد الإحباط أن يتصور الإنسان أن الشقاء فى الدنيا لا يتبعه بعد الموت سوى العدم.. هذا من شأنه أن يحول الفقراء والتعساء إلى مجرمين يسعون لنيل نصيبهم من الدنيا بالقوة مهما كانت العواقب ومهما بلغت شدة القوانين التى يضعها السعداء لحماية أسباب سعادتهم! من الأفضل إذن الاعتقاد بأن أياماً جميلة تنتظر المرء عوضاً عن أيامه السيئة، وبأن حياة حالكة السواد تنتظر الذين ظلموه ثم لم يستطع أن يثأر منهم فى الدنيا. ومن الطبيعى أن أتباع كل دين يرضعون مع حليب أمهاتهم أنهم ذاهبون إلى الجنة وحدهم باعتبارهم قد اتبعوا الهدى وآمنوا بالدين الصحيح على العكس من الآخرين الذين اختاروا الإلحاد أو الشرك بالله. يؤمن المسلمون إذن بالآخرة وبالثواب والعقاب كما بشرهم الله فى كتابه العزيز، كذلك يؤمن المسيحيون واليهود. غير أن بعض أصحاب الديانات الأخرى فى آسيا بالذات لا يعتقدون بآخرة واحدة يجتمع فيها الخلق جميعاً لينالوا حسابهم وإنما يعتقدون بتناسخ الأرواح وبأن الإنسان الواحد يمكن أن يعيش أكثر من حياة فى أكثر من عصر، ويجوز أيضاً طبقاً لمعتقداتهم أن يعود الكائن للحياة من جديد على أكثر من هيئة، فمرة يكون إنساناً بشرياً، ومرة يكون على شكل فيل، وثالثة يكون ضفدعاً.. وهكذا، لذلك فإنهم يتعاملون مع الحيوانات والحشرات بتقدير ملحوظ ولا يقدمون على المساس بها خشية أن تكون روح شخص عزيز عليهم وقد حلت فى صرصار مثلاً! طبعاً هى أفكار تبدو صادمة لأول وهلة، غير أن التأمل واستدعاء التواضع يجعلان النظرة تميل إلى إنصاف هؤلاء الناس واحترام خصوصيتهم والنظر إلى اجتهاداتهم فى هذا الأمر باعتبارها جهداً بشرياً نحترمه وإن لم نؤمن به. ولعل من مستوجبات احترام عقائد الآخرين وحياتهم الروحية أنها فى المجمل جزء من الرصيد الروحى للبشرية من شأنه أن يبعد بنا عن توحش المادة وغلظة سيطرة المحسوسات على حياتنا لدرجة أن كل شىء أصبح يقاس ويوزن.. حتى الدموع!
اللافت للانتباه لدى أصحاب هذه الحضارات المؤمنة بالتناسخ أنهم لم يدّعوا اتصال رموزهم بالسماء وإنما قنعوا بأن رجالاً مثل بوذا وكونفوشيوس هم مجرد حكماء يساعدون الناس على الوصول للفضيلة وعلى الحياة الخالية من الضغينة التى تتلف الروح وتلوث الفكر.
وأعتقد أن الظالمين والسفاحين ترعبهم فكرة أنّ ضحاياهم الذين ذُبحوا كالشياه قد يعودون فى حياة أخرى ليثأروا من قاتليهم.. هى فكرة مفزعة للمجرمين قدر ما هى مريحة للضحايا.. وهذا بعضٌ من قوة الردع وسحر التهدئة التى يوفرها الإيمان!