أسامة غريب
عندما سُئل المخرج البريطانى الكبير ألفريد هيتشكوك عن الطول المناسب الذى ينبغى أن يكون عليه الفيلم قال: طول الفيلم يعتمد على قدرة المثانة البشرية على الاحتمال!.
يقصد طبعاً أن الفيلم إذا طال أكثر مما ينبغى فإن المُشاهد قد يضطر إلى مغادرة الصالة والذهاب للحمام فتضيع عليه دقائق قد تكون حاسمة فى فهم الفيلم. لم يخطر ببال هيتشكوك بأى حال من الأحوال إمكانية قطع الفيلم فى منتصفه من أجل السماح للجمهور بدخول الحمام، إذ إن هذه الفكرة عند صنّاع السينما هى أسخف وأقبح ما يمكن أن يتعرض له فيلم، وهى تعتبر استهانة من جانب دار العرض والجمهور بالعمل الفنى ومعاملته على نحو فظّ. لا يعلم رائد أفلام الإثارة والرعب أن هناك دولة واحدة من بين دول العالم جرؤ أصحاب دور العرض فيها، باتفاق جماعى، على قطع الفيلم وإخراج المتفرجين من الحالة السينمائية التى كانوا عليها، ليس لاستخدام الحمام وإنما لإدخالهم فى حالة أخرى مفرداتها هى اللب والفشار والقزقزة.. مما يؤسف له أن هذه الدولة هى مصر التى كانوا يسمونها فى السابق هوليوود الشرق، ليس فقط لغزارة إنتاجها الفنى، وإنما لحفاظها على التقاليد السينمائية التى تكفل للفيلم العرض فى جو سينمائى طبيعى!. ما حدث للأسف هو أن أصحاب دار العرض أرادوا تأجير الكافيتريا بثمن مرتفع لا يتسم بالإنصاف، وهنا وجد الراغبون فى الاستئجار أن الوقت الذى يسبق العرض غير كافٍ لتحقيق الربح المأمول بعد دفع الإيجار، لهذا فإنهم قرروا أن يستثمروا حالة «السويقة» التى أصبح عليها الوطن، فاشترطوا على السينما أن تقوم بقطع الفيلم فى منتصفه لمدة عشر دقائق حتى تكون هناك فرصة كبيرة فى خروج الجمهور لشراء المسليات والمشروبات. ولم يجد أصحاب دار العرض غضاضة فى أن يقبلوا بهذا الشرط طالما أنهم يقبضون وطالما أن الدولة فى حالة تعسيلة. لا يبالى من يفعلون هذا بأنهم يسيئون للفيلم وصناعه ويقطعون التسلسل الدرامى ويُخرجون المشاهدين من تركيزهم، كما يُحدثون فوضى داخل السينما عندما يحاول الناس العودة لأماكنهم من جديد، بينما العرض قد استُؤنف فى غياب معظم المتفرجين. ولا يدرى من يفعلون هذا أنه فى السالف كان من الممكن للموظف القابع بالغرفة العلوية والذى يقوم بعرض الشريط السينمائى أن يتوقف عند نهاية بَكَرَة من بكرات الفيلم فيكون القطع به شىء من المنطق، أما الآن بعد أن أصبحت الأفلام ديجيتال فإن الموظف يدوس «ستوب» فى أى لحظة ولا شأن له إذا كان التوقف يحدث بصورة عشوائية مؤلمة.. وهذا فى حقيقته ينطوى على إفساد لذوق المشاهد وإفقاده الرؤية الصائبة فى النظر إلى العمل والاستمتاع به أو تقييمه.
ولما كانت الأفعال الرديئة لا تأتى فرادى فإن أصحاب دار العرض بالاشتراك مع مستأجر الكافيتريا يضعون على الباب لافتة سمجة سخيفة غير قانونية تقول: ممنوع اصطحاب مأكولات من الخارج. أى أن الأكل والشرب متاح بشرط أن تشترى منا وليس من أحد خارج السينما، حتى لو كان الفرق فى السعر رهيباً. وللعلم فى بلاد ربنا المحترمة يقومون عند تقديم العروض الفنية إما بمنع الأكل والشرب بتاتاً أو إباحته بصرف النظر عن مصدر المأكولات والمشروبات، أما عندنا فإما أن تشترى منهم أو يمنعوك من الدخول!.
سامحنا يا عم هيتشكوك.. فإن قومنا لا يفقهون.