توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

واوكستاه!

  مصر اليوم -

واوكستاه

أسامة غريب

فى بلد عربى ركبت سيارة أجرة وجلست بجوار السائق فبادرنى بالحديث، ثم استمر الحوار بيننا متصلاً حتى أوصلنى إلى وجهتى، عندها سألنى من أى بلد أنت؟ أبديت دهشتى من إخفاقه فى التعرف على جنسيتى بعدما تحادثنا لمدة ربع ساعة. قال لا يبدو من كلامك أنك شامى أو مصرى أو خليجى أو مغربى وهذا ما يحيرنى.عندما أخبرته أننى مصرى أبدى استغرابه قائلاً: المصريون لا يتحدثون هكذا!

بعد أن تركت السائق سرحت فى هذا الأمر وشعرت بالحيرة..اللهجة المصرية يسهل التعرف عليها من أول جملة، ولقد كان الرجل يفهمنى تماماً ولم ينشأ بيننا أى حاجز لغوى، فكيف يفهمنى ويحاورنى ويمازحنى ثم بعد ذلك يحتار فى شأن موطنى؟ ثم ما معنى أن المصريين الذين يملأون بلده لا يتحدثون هكذا؟.. فى المساء جلست أطالع التليفزيون وفتحت قناة مصرية، مضيت أتفرج عليها وبعدها كدت أصيح مثل أرشميدس: وجدتها. أظننى عندئذ خمنت سبب حيرة الرجل. لقد احتار السائق العربى لكنه لم يستطع أن يدرك أن سبب حيرته هو مستويات اللغة. إننا إذا استبعدنا الفصحى التراثية الموجودة فى القرآن وفى أشعار الأقدمين وفى المسلسلات التاريخية، وكذلك إذا استبعدنا فصحى العصر التى تستخدمها الصحف ويسمعها الناس فى نشرات الأخبار والبرامج الثقافية، تتبقى بعد ذلك مستويات ثلاثة للعامية، خاصة بكل بلد، وإذا تحدثنا عن المصريين، فقليل منهم يتحدث بعامية المثقفين بعدما تدهورت الثقافة وفرضت السوقية نفسها، وبعض المصريين يتحدث بعامية المتنورين، ثم السواد الأعظم الذين يتحدثون بعامية الدهماء. كان المفروض أن تسود برامج التليفزيون المصرية فى كل القنوات عامية المثقفين التى تحوى الكثير من التعبيرات الفصحى والتشبيهات الأدبية والإيجاز والولوج للمعنى مباشرة، لولا أنه فى هذا الزمن الأغبر طغى على الساحة الإعلامية الذئب والنسناس والنطيحة والمشرومة ومن لدغها الحنش! لم يعد المذيعون يعبّرون فيما ينطقون عن فكر أو ثقافة أو عقل ناقد أو دماغ قرأ صاحبه وفهم وهضم قبل أن يخرج على الشاشة، وإنما أصبحت التليفزيونات مصاطب للأرزقية المرضىّ عنهم أمنياً بصرف النظر عن حالتهم.. بل إن الوكسة والتدهور الذهنى قد يكونان من مسوغات التعيين فى الوظيفة والبقاء فيها، وهى وظيفة على أى حال لا تقتضى سوى الصراخ والتشنج والتفوه بكل سخيف وركيك وتافه وعدائى ودال على سوء الخلق وضعف الثقافة. وهم فيما يقدمون ويعرضون بضاعتهم الرديئة يستخدمون مستويين من اللغة، فبعضهم- ممن يُعتبرون (فطاحل) أو (عور) وسط العميان- يتنقل بين عامية المتنورين وعامية الدهماء، والبعض الآخر يعجز عن الخروج من لغة السوقة نتيجة الفقر الشديد فى التعليم وتضاؤل القدرات الذهنية. وبطبيعة الحال فإن الجمهور أو معظمه، وحظه من التعليم لا يختلف عن حظ مذيعيه، يتحدث أفراده بنفس الطريقة ويلوكون نفس المفردات ويدورون حول نفس الأفكار.. لهذا فقد شاعت عامية الدهماء بين الناس حتى لو كانوا متخرجين فى الجامعة، وأصبح من يتحدثون بعامية المتنورين المعبّرة عن الشهادة الإعدادية قلة!.. وربما أن هذا يفسر دهشة سائق التاكسى العربى الذى فهمنى ومع ذلك لم يخطر بباله أن أكون مصرياً!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واوكستاه واوكستاه



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon