مكرم محمد أحمد
أتمنى على الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يكون كعادته صريحاً حاسماً فى خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وهو يتحدث عن مخاطر الإرهاب فى مصر والشرق الأوسط، يضع النقاط على الحروف ويسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية كما عودنا، لا يلجأ إلى التورية أو الاستعارة ولا يترك فرصة لاستنتاج خاطئ، وإنما يكون مباشراً جلياً كحد السيف، يزيح الأقنعة الكاذبة عن دعاة التخريب الذين لا يزالون يعطون الإرهاب ملاذاً آمناً ويبددون أموال شعوبهم على جماعاته، ويهددون أمن الشرق الأوسط واستقراره!
وأظن أن ما يجرى فى ليبيا على حدود مصر الغربية من تدخل قطرى تركى سافر، يساند حلف الشر الذى يجمع القاعدة وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين وأنصار الشريعة وجماعة فجر وميليشيات مصراتة لا يقل خطورة وأهمية عن جرائم داعش فى العراق وسوريا، بعد أن تمكنت هذه الجماعات بمساندة قوية من قطر وتركيا من الاستيلاء على مدن طرابلس وبنغازى ودرنة، وأوشكت على تقويض أعمدة الدولة الليبية، وأصبحت تمثل تهديداً مباشراً وحالاً لأمن مصر الوطنى لا يقل عن تهديد داعش!
ومع الأسف لا يزال معظم المجتمع الدولى غافلاً عن مخاطر تحول ليبيا إلى قاعدة تنطلق منها جماعات الإرهاب لتهدد أمن البحر الأبيض والأمن الأوروبى، كما تهدد أمن مصر وكافة دول شمال أفريقيا، باستثناء فرنسا التى حذر وزير دفاعها العالم أجمع قبل عدة أيام من مخاطر تطورات الأوضاع فى ليبيا، التى أسلمت نفسها إلى فوضى شاملة وضعت البلاد على حافة حرب أهلية، ومكنت العصابات المسلحة وجماعات الإرهاب من أن تعشش داخل ليبيا، تقتل وتحرق وتخرب، وتهرب أطنان الأسلحة إلى كافة دول المنطقة كى تضرب استقرارها، بينما يعرف العالم أجمع أن قطر وتركيا ضالعتان فى هذا المخطط الشرير، ومن سخرية الأقدار أن تحاول الولايات المتحدة ضم تركيا إلى التحالف الدولى ضد داعش، بينما تعرف واشنطن يقيناً أن تركيا لا تزال تفتح حدودها على مصاريعها لتمرير كل المساعدات التى تذهب إلى داعش، بما فى ذلك مئات الشباب القادمين من دول أوروبا ليحاربوا إلى جوار داعش فى سوريا والعراق! ومن سخرية الأقدار أيضاً أن تسعى واشنطن إلى ضم قطر إلى هذا التحالف، بينما تدعم قطر جماعات الإرهاب خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وتقدم لها كل صور العون المادى واللوجستى، وتمارس فى وضح النهار دورها التخريبى فى ليبيا رغم مخاطر جرائمها على أمن البحر الأبيض والأمن الأوروبى!
وأظن أن من حق الرئيس السيسى أن ينبه فى خطابه أمام الجمعية العامة المجتمع الدولى إلى خطورة الكيل بمكيالين فى قضايا الإرهاب، والمفاضلة بين إرهاب داعش وإرهاب جماعة الإخوان المسلمين، وازدواجية مواقف بعض الدول مثل قطر وتركيا، لأنه ما من دولة فى العالم أجمع كرست جهودها لمحاربة الإرهاب مثل مصر التى واجهت جماعاته خلال ثمانينات القرن الماضى فى حرب ضروس، استمرت 18 عاماً وانتهت باستسلام جماعات الإرهاب، وهى تعاود الآن حربها على الإرهاب، تواجه فلول جماعاته المسلحة داخل سيناء، وتحاصر مؤامراته على الجبهة الداخلية، وترد عدوانه على الجبهة الغربية حيث تشن جماعاته المسلحة هجماتها على مصر عبر الحدود الليبية، ولأن الإرهاب جذر واحد لشجرة خبيثة تعددت أفرعها وتغايرت أسماء تنظيماتها، لكن الأمر المؤكد أن القاعدة وداعش وتنظيم النصرة وجماعة الإخوان المسلمين وأنصار الشريعة وقوات فجر، كلها أسماء مختلفة لمنظمات إرهابية تستهدف تقويض استقرار دول الشرق الأوسط، ومن الصعب إن لم يكن مستحيلاً تجزئة المعركة على الإرهاب، أو المفاضلة بين تنظيماته، أو محاولة استخدامه نكاية فى آخرين لتحقيق أهداف مؤقتة، لأن التجارب الإنسانية تعلمنا أن الإرهاب واحد يتسم بالغدر ويستحيل الاطمئنان إليه، وهو مثل الوحش الذى يفتك عادة بصاحبه الذى رباه، والإرهاب بهذا المعنى ليس قدراً محتوماً، لكنه فعل بشرى شرير يمكن حصاره وتصفيته وهزيمته، إن توحدت إرادة المجتمع الدولى فى ظل معايير واضحة لا تعانى من ازدواجية المواقف!
ولا أظن أن مصر يمكن أن يخدعها بضع خطوات محدودة شكلاً وموضوعاً تتخذها قطر كى تبرئ ساحتها من أن تكون ملاذاً آمناً لجماعات الإرهاب وتتصالح مع دول الخليج، لكنها لا تزال فى الحقيقة تواصل تآمرها على أمن مصر الوطنى، وتقطع آلاف الأميال لتقحم نفسها فى الشأن الليبى دون أى مسوغ قانونى أو عملى، تمول جماعات الإرهاب وتدعم تحالفها الشرير، وتقوض كل فرص نهوض مؤسسات الدولة الليبية، وتساند دون حدود جماعات الإرهاب التى تعمل من داخل حدود ليبيا ضد أمن مصر الوطنى، وسوف تظل قطر من وجهة نظر مصر ومعظم العالم العربى أولى الدول المساندة للإرهاب، ما لم تتوقف تماماً عن التدخل فى الشأن الليبى وتعود أدراجها عن هذا المخطط الشرير، وتترك لليبيين فرصة أن يوحدوا جهودهم لبناء مؤسسات الدولة الليبية وحماية وحدة التراب الليبى.
ولست أشك فى أن خطاب الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة سوف يكون له أثره البالغ على إرادة المجتمع الدولى، متى كان الخطاب قوياً واضحاً حاسماً، يمثل صيحة الضمير الإنسانى تجاه خطر محدق وظيفته الوحيدة أن يحرق ويخرب ويدمر، خاصة أن الرئيس السيسى يذهب إلى الأمم المتحدة مدعوماً بمساندة قوية من شعبه وقد اندثرت كدخان فى الهواء كل دعاوى الغرب عن انقلاب 30 يونيو الذى خرج لتأييده أكثر من 30 مليون مصرى شكلوا أكبر تجمع إنسانى عرفته البشرية، كما بات واضحاً للجميع أنه لا يزال يتمتع بشعبية جارفة رغم القرارات الاقتصادية الصعبة التى اتخذها لرفع الدعم عن أسعار الطاقة، ولا تزال تربطه بمعظم فئات المجتمع ثقة بغير حدود تكشف عن تجليات علاقة فريدة بين الحاكم والمحكوم، تؤكد تفاؤل المصريين المتزايد بمستقبل مشرق تحت حكم السيسى، وبقدرتهم على صنع غد أفضل لمصر، واستعدادهم لبذل المزيد من التضحيات، كما بات واضحاً إصرار السيسى على محاربة الإرهاب وهزيمته وعدم تمكينه من تحقيق أى مكاسب فى الشرق الأوسط، فى إطار أولويات واضحة تضع حدود مصر الغربية على رأس مهام الأمن الوطنى.