بقلم : مكرم محمد أحمد
تتعجل مصر التسوية السياسية للأزمة السورية وتعول كثيراً على موقف فرنسى أكثر تفهماً، وضحت خطوطه العريضة فى التوافقات المصرية الفرنسية، خلال الحوار الهاتفى الذى جرى بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسى، اتفقا فيه على ضرورة أن يشارك العرب فى التسوية السلمية للأزمة السورية وأن يتم ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما إتفق الرئيسان على أهمية مواصلة التنسيق والتشاور المشترك، وأن وزير الخارجية الفرنسى سوف يزور مصر فى أبريل.
ويتزايد حجم القوى الدولية التى تعتقد بضرورة الإسراع بإنجاز التسوية السياسية للأزمة السورية وفقاً لقرارات مجلس الأمن وبيان جنيف ومن خلال الحوار بين الحكم والمعارضة، والتحقيق الجاد الشفاف فى قضية العدوان الكيماوى على مدينة دوما السورية، وضمان نزاهة المفتشين الدوليين التابعين لمنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية لمنع تكرار الحادث، لأن البديل لتسوية الأزمة سياسياً تصاعد العمليات العسكرية وزيادة فرص الصدام بين الأمريكيين والروس بعد أن أكد وزير الخارجية الروسى أن الهجوم الأمريكى الأخير لم يترك أمام روسيا أية عوائق أخلاقية تمنع إمداد سوريا بصواريخ أس 300 المتطورة القادرة على صد صواريخ أمريكا البلاستيكية، إضافة إلى تفاقم نذر صدام مباشر بين إيران وإسرائيل، وإتساع فسحة المواجهات العسكرية بعد أن أعلنت إسرائيل مواصلة هجماتها ضد فيلق القدس الإيرانى فى سوريا برئاسة الجنرال قاسم السليمانى، ويزيد الموقف خطورة أن إيران تبنى المزيد من القواعد والميلشيات الشيعية فى سوريا، رغم اعتقاد كثيرين أن إسرائيل لن تقامر على الحرب ضد إيران ما لم يكن يساندها وجود عسكرى أمريكى على الساحة السورية، وثمة أنباء شبه مؤكدة عن استعداد المسلحين المتمردين الموجودين فى منطقة درعا القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق هدفها إنشاء منطقة حكم ذاتى فى جنوب البلاد عاصمتها درعا، تحميها جواً الولايات المتحدة، تمتد من القنيطرة إلى السويداء، وأن البنتاجون الأمريكى يحشد ويدرب 12 ألف مقاتل من المتمردين السوريين لإقامة جيوب واسعة على الجبهة الجنوبية فى سوريا.
فى ضوء هذه المؤشرات يصعب تصديق أن الأمريكيين يريدون بالفعل الخروج من سوريا وأن الرئيس الأمريكى ترامب يتعجل إخراج الألفى جندى أمريكى فى منطقة منبج أو استبدالها بقوات عربية، لأنه ما من قوات عربية سوف توجد فى سوريا إلا أن يكون هناك وجود أمريكى وأهدافً مشتركة، تتمثل فى تحصين سوريا من عودة تنظيم داعش وتقليل حجم النفوذ الإيرانى على الأرض السورية، وما ينذر بخطورة الوضع السورى على الأمن القومى العربى أن عودة سوريا إلى وضعها قبل أحداث يناير يكاد يكون صعباً بل ومستحيلاً فى ظل الرغبة المتزايدة لدى أطراف إقليمية ودولية فى تعزيز نفوذها على حساب وحدة سوريا ومركزية السلطة السورية، وحرص كل اللاعبين الكبار على توسيع حصصهم من النفوذ على حساب سوريا، ولا يشترى الروس حكاية الإنسحاب الأمريكى الوشيك، على العكس يعتقد الروس أن الأمريكيين يخططون لوجود أمريكى مستمر ودائم، وما من شك أن تقسيم سوريا سوف يفتح الطريق إلى تقسيم المنطقة.
وبرغم تزايد المؤشرات على خطر إتساع فرص الصدام العسكرى على حساب وحدة الأراضى السورية، إلا أن العالم ضاق ذرعاً بالوضع الكارثى للأزمة السورية، خاصة أنه ما من حل عسكرى للصراع وأن الحل الوحيد هو الحل السياسى الذى تحددت ملامحه فى تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومقررات مؤتمر جنيف، وربما تكون السويد قد دعت أعضاء مجلس الأمن الـ 15 والأمين العام للأمم المتحدة لعقد إجتماع غير تقليدى للمجلس فى المقر الصيفى لداج همرشليد أمين عام الأمم المتحدة الذى لقى مصرعه فى حادث سقوط طائرة أفريقية عام 1961 الذى يقع فى منطقة باكاكرا فى السويد، على أمل أن يكون المكان عنصر أمل والهام يساعد على سرعة تسوية الأزمة السورية، ويخفف من حدة التوتر الأمريكى الروسى بعد الضربة الجوية الأخيرة لثلاثة أهداف سورية رداً على إستخدام الحرب الكيماوية فى بلدة دوما.
وأظن أن أخطر نتائج الأزمة السورية أنها أثارت العديد من هذه الأسئلة الصعبة حول تحديات الأمن العربى القومى التى ترددت أصداؤها فى جنبات قمة الظهران أو القدس أيهما تفضل.
نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع