بقلم - مكرم محمد أحمد
يعتقد علماء المسلمين الذين عُرفوا بالورع والتقوي، أن ما يصيب الإنسان من خير فى حياته على الأرض فهو من الله وحده عز وجل، أما ما يلحق بالإنسان من الضرر فمصدره أفعال الإنسان على الأرض، وهذا ما يعتقده أيضاً علماء المناخ، الذين يرون أن نشاط الإنسان هو السبب الرئيسى لكل ما يتعرض له كوكبنا الأرضى من أضرار ومخاطر نتيجة تغيرات المناخ، التى يعود سببها الأصلى إلى بلايين البلايين من أطنان الانبعاثات الكربونية الناجمة عن استخدام الإنسان المُفرط الوقود الحراري، البترول والغاز والفحم، مصدراً للطاقة بما يعنى أن البشر هم الذين يكتبون تاريخهم وهم مصدر الحروب والنزاعات والأضرار والشرور التى تلحق بالكون وتُصيب حياتهم.
وإذا كانت كل التنبؤات تؤكد أن العالم الجديد سوف يشهد تباطؤاً محسوساً فى نمو الاقتصاد العالمي، فالواقع يؤكد أننا نعيش بدايات هذه الأزمة منذ استعرت الحرب التجارية بين الصين وأمريكا التى أضرت باقتصاد البلدين، وفتحت الطريق أمام أزمة عالمية بسبب الركود الاقتصادى الذى تعانيه معظم الدول الصناعية فى ظل قرار الرئيس الأمريكى فرض رسوم جديدة على واردات أمريكا من الصلب والألومونيوم من العديد من الدول الأوروبية، وكذلك الأمر مع الحرب اليمنية التى فقدت قوة دفعها بعد أن تحولت إلى كارثة إنسانية أثارت استياء العالم أجمع لكثرة ضحاياها من المدنيين الذين يعانون المجاعة والكوليرا والفقر المدقع، ويموت أطفالهم من قلة الغذاء والدواء، وربما يفتح الطريق إلى تسوية سياسية قبول كل الأطراف سحب قواتها من الحديدة بما فى ذلك الحوثيون الذين كانوا يتلقون معظم إمداداتهم من إيران عبر الحديدة، ومع تعذر وصول إمدادات جديدة للحوثيين يُصبح الجلوس إلى مائدة التفاوض هو الحل المتاح، وليس بعيداً عن ذلك الأزمة السورية التى يمكن أن تشهد مع العام الجديد تسوية سياسية بعد توافق كل الأطراف خاصة الحكم والمعارضة على دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يشارك فيها بشار الأسد، وإعادة فتح السفارات العربية المُغلقة فى دمشق، وتوقع عودة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية قريباً، وربما يكون العام الجديد هو أصعب أعوام الرئيس الأمريكى ترامب الذى وجد نفسه مع نهاية العام المنصرم معزولاً داخل البيت الأبيض، مُحاصراً من الديمقراطيين الذين حصدوا أغلبية مجلس النواب، ويصرون على مساءلة الرئيس ترامب الذى لم تنجح سياساته فى الحفاظ على وحدة الجمهوريين، ولا يبدو أن العام الجديد سوف يشهد انفراجة فى الأزمة الليبية للسبب نفسه الذى أوضحه المبعوث الأممى قبل عدة أشهر، وهو أن حجم المستفيدين من استمرار الأزمة يقارب حجم الشعب الليبي.
ومهما تكن حجم خلافاتنا حول العام المنصرم، لكن عدداً من الدول استطاعت أن تحقق فيه الكثير، بينها عدد من الدول الإفريقية فى مقدمتها إثيوبيا التى حققت لعدة أعوام معدلات نمو مرتفعة ومستمرة رفعت آمال الإثيوبيين فى أن يصبحوا من الدول المتوسطة الدخل، وزاد على ذلك التقدم المهم الذى حققته المرأة الإثيوبية بموافقة البرلمان الإثيوبى على تولى السيدة ساهلى زودى منصب رئيس البلاد، وهى دبلوماسية إثيوبية مُخضرمة تولت عددا من المناصب الدولية الرفيعة.
أيضاً تستطيع بجدارة أن تضع ما حققته مصر ضمن إنجازات الدول المهمة، سواء على مستوى مشروعاتها القومية فى التنمية، أم فى الوثيقة المهمة التى حققتها القوات المصرية المسلحة لتصبح القوة الثانية عشرة فى العالم، تسبق جيش الدفاع الإسرائيلى خارج حسابات القوى النووية وتسبق كل الدول العربية يليها القوات الجزائرية، يدخل ضمن إنجازات العام المُنصرم أيضاً ما حققته أمريكا من تقدم اقتصادي، هبط بمعدلات البطالة بين البيض والسود إلى أدنى مستوياتها 3.7% فضلاً عن زيادات الأجور، كذلك حصول الديمقراطيين فى الولايات المتحدة على أغلبية مجلس النواب، بما خلق نوعاً من التوازن بين القوى السياسية يكبح شطط الرئيس الأمريكى ترامب الذى يصعب التنبؤ بأفعاله وسياساته المفاجئة، والمؤكد الحفاظ على السعودية قوة أمن واستقرار فى الشرق الأوسط، وقوة توازن دولى بين مصالح المنتجين والمستهلكين فى سوق النفط الدولية وقوة مالية توازن بين مصالح الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة رغم قضية خاشقجى يُشكل كسباً مُهماً للعالم أجمع.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع