بقلم - مكرم محمد أحمد
بعد أسبوع من تفاوض شاق فى مدينة قريبة من أوستكهولم عاصمة السويد، توصل ممثلو الحوثيين والحكومة الشرعية فى اليمن إلى اتفاق بوقف إطلاق النار وخروج قوات الحوثيين من مدينة الحديدة الميناء الرئيسى لليمن فى غضون 29 يوما تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التى تُعانى نقص إمدادات الغذاء ومياه الشرب والدواء وتبادل المسجونين من الطرفين الذين يتجاوز عددهم 15 ألفا، وفتح ممر إنسانى إلى مدينة تعز ثالث أكبر المدن اليمنية واستئناف التفاوض بين الجانبين الشهر القادم أملا فى الوصول إلى تسوية نهائية للأزمة اليمنية، وقد وقع الإتفاق عن حكومة اليمن الشرعية وزير الخارجية اليمنية خالد اليمانى كما وقعه ممثل الحوثيين محمد عبده سالم، ويأمل الجانبان فى أن يصدر مجلس الأمن قرارا بوقف إطلاق النار يدعم هذا الاتفاق الذى توصل إليه الجانبان فى أستكهولم والذى أكد الطرفان أنه لا يشكل إتفاقاً على حل شامل ولكنه مجرد اتفاق يؤكد حُسن النيات وعزم الجانبين على مواجهة مضاعفات الأزمة اليمنية الإنسانية وإنهاء إحدى التراجيديات الخطيرة التى تُشكل أسوأ كارثة إنسانية، فى القرن الحادى والعشرين، والتي دمرت الاقتصاد اليمنى والبنية الأساسية، ووضعت اليمن على حافة مجاعة كُبرى خاصة أن 85 ألف طفل يمنى يعانون نقص الغذاء والعلاج وتخضع غالبية الأسر اليمنية لاختبار صعب لأن عليها أن تُقرر بصورة يومية أيا من أولادها يبقى، وأيهما يموت لأنها لا تملك ما يمكن أن يسد رمق الجميع.
وبرغم أن إتفاق وقف إطلاق النار الأخير، سبقه عشرات الاتفاقات المماثلة التى سرعان ما إنهارت، لكن القائمين على أمر التفاوض بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية يأملون فى أن تُسفر الضغوط الدولية المتزايدة على الجانبين فى إقرار تسوية سياسية للأزمة هذه المرة، خاصة أن اليمن يشهد مجاعة كبرى يمكن أن تتفاقم لتشمل 12 مليون يمنى، فضلاً عن وباء الكوليرا الذى وصل عدد ضحاياه إلى ما يقرب من مليون يمنى، والواضح أن الحوثيين قبلوا أخيراً التفاوض بعد أن تمكنت قوات الإمارات إحدى قوى التحالف الأساسية مع السعودية 5 آلاف جندى من شن هجوم شرس فى الحديدة حاصر المدينة وقاما بإستثناء شارع واحد بقى تحت سيطرة الحوثيين ورغم أن الحديدة أصبحت خارج الحرب بقبول الجانبين إخلاء المدينة تماماً، إلا أن مصير عملية التسوية لا يزال رهنا بالمفاوضات التى تجرى بين الجانبين الشهر القادم، خاصة أن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء، كما أن الاختبار العملى لوقف إطلاق النار ومدى وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة هو الذى يكشف نيات الجانبين.
وفى تطور آخر مهم أعقب وصول الطرفين (الحوثيين والحكومة الشرعية) إلى قرار بوقف إطلاق النار وإخلاء مدينة الحديدة من قوات الجانبين، وافق مجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية 56 صوتا مؤيداً و41 صوتا مُعارضا على قرار ينهى مشاركة الولايات المتحدة فى تحالف الحرب اليمنية، وقد وافق على القرار 7 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إنضموا إلى الديمقراطيين بعد أن استمع الكونجرس إلى تقرير مديرة المخابرات المركزية جينا هاسيل عن مقتل الصحفى جمال خاشقجى فى القنصلية السعودية فى مدينة اسطانبول التركية، كما استمعوا فى جلسة أخرى لكل من وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتس.
والواضح أن هذين الاجتماعين كان لهما أثرهما المباشر على تصويت الجمهوريين والديمقراطيين وتوافقهم معا على مساندة القرار تأكيدا على رفض الحزبين لسياسات الرئيس ترامب وعزمهما على تحدى هذه السياسات وأن مجلس الشيوخ يتحدث بلسان واحد، وأن المسئولية الدستورية لقرار الحرب تقع على عاتق الكونجرس وليس رئيس الجمهورية، وأن الولايات المتحدة لا تريد أن تكون جزءا من هذه الحرب، وربما لا يضيف قرار مجلس الشيوخ الكثير بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية فى اليمن على قرارات استوكهولم بانسحاب الجانبين من الحديدة ووقف إطلاق النار أملاً فى تسوية سياسية للأزمة اليمنية، لكن ما من شك أن قرار مجلس الشيوخ يُمثل عنصراً ضاغطاً لإنهاء الأزمة اليمنية، خاصة أن ما حدث فى مجلس الشيوخ يمكن أن يتكرر فى مجلس النواب الذى تسيطر عليه أغلبية ديمقراطية بما يعنى المزيد من ضبط تصرفات الرئيس الأمريكى الذى يتعرض لحصار الكونجرس بما يلزمه المزيد من الالتزام بقرارات الكونجرس على حساب أجندة البيت الأبيض.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع