بقلم - مكرم محمد أحمد
الواضح من التزامات الرئيسين عبدالفتاح السيسى وعمر البشير المتبادلة فى لقاء الخرطوم الأخير، أن مصر والسودان يدخلان مرحلة جديدة فى علاقات البلدين، أساسها المصارحة والمكاشفة ودفع العلاقات الثنائية إلى آفاق ترقى إلى طموحات الشعبين الشقيقين، اللذين تربطهما أواصر أزلية وجيرة أخوية من عمر الخليقة ومصير مشترك يوثقه ارتباط مصالحهما بنهر النيل العظيم شريان الحياة وهمزة الوصل بين الشعبين الشقيقين، والواضح أيضاً أن الرئيسين البشير والسيسى عازمان على إجهاض أية محاولة لتعكير صفو العلاقات بين البلدين، مصممان على حل الملفات الشائكة بين الطرفين، وألا يكون النزاع الحدودى حول مثلث حلايب سبباً فى توتر العلاقات بين السودان ومصر، وأن البحث عن حلول لهذه الملفات الصعبة ينبغى أن يتم فى إطار التوجه العام الجديد فى علاقات البلدين، دون العمل على توتر الأجواء، ودون معارك إعلامية، وبما يحقق المصالح المشتركة بين الشعبين، ويدفع بعلاقات البلدين إلى أهدافها الإستراتيجية، وأكد البيان المشترك للرئيسين السيسى وعمر البشير اهتمامهما البالغ بأمن منطقة البحر الأحمر، وضرورة التشاور والتنسيق المستمر، ومنع التدخلات الأجنبية السابقة والتنسيق الإقليمى بما يحفظ مصالح كل شعوب المنطقة، وتبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأبديا سعادتهما وارتياحهما بالتطورات الإيجابية فى المنطقة المتمثلة فى تطبيع العلاقات بين إثيوبيا و إريتريا، وإنهاء مرحلة من العداء بين البلدين استمرت عقدين من الزمان، وكان لها أثرها السلبى على استقرار منطقة القرن الإفريقى. واتفق الرئيسان البشير والسيسى على تعزيز التعاون المصرى السودانى فى المجالات الاقتصادية والتجارية ودعم وتشجيع الاستثمار المشترك، وتذليل كل العقبات التى تواجهه، كما أسفرت مباحثات الخرطوم عن تشكيل لجنة برئاسة وزيرى خارجية البلدين تضم وزراء الرى والزراعة والكهرباء والإعلام والتجارة والصناعة والنقل والمواصلات والاتصالات والشباب، على أن تعقد اللجنة اجتماعا فنياً على مستوى وكلاء الوزارات فى السابع من أغسطس تقترح فيه المشروعات المشتركة.
وما يؤكد عزم الرئيس السيسى والبشير على مرحلة جديدة تماماً فى علاقات مصر والسودان، تضمن للبلدين توافقا إستراتيجيا على الأهداف الأساسية، واتفاقا مفصلا على كيفية إدارة علاقات البلدين بما يضمن حصانتها من محاولات التخريب، والتزاماً كاملا بإجهاض كل محاولات تعكير صفو العلاقات، ولعلها المرة الأولى التى يقطع فيها الرئيسان الشك باليقين، بالتأكيد على أن مشكلة حلايب ينبغى ألا تكون سبباً لتوتر العلاقات بين البلدين، وأنها يمكن أن تجد حلها الصحيح فى إطار التوجه العام الجديد فى علاقات البلدين، وقد عبر الرئيس السيسى بشفافية كاملة عن هذا التوجه عندما أكد فى لقائه مع نخبة المثقفين السودانيين أن عليهم ألا يتوقعوا من مصر سوى كل خير، لأن مصر لا تُضر أحدا فضلا عن التزامها الأخلاقى تجاه شعب السودان أبناء وادى النيل، كما أعرب الرئيس السيسى بكلمات صادرة من القلب عن سعادته بزيارة السودان والالتقاء بمفكريها وقيادات العمل السياسى السودانى، مؤكداً أن سياسة مصر تقوم على مبادئ راسخة بعدم التدخل فى شئون الآخرين، وعدم التآمر على أية دولة ومد روابط التعاون والتنمية والسلام مع الجميع، فى إطار ثابت من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
وقد طالب الرئيس السيسى الإعلاميين بعدم العودة إلى التراشق الإعلامى، موجها الحديث إلى الصحفيين والإعلاميين المصريين كى يكونوا دائما منبرا لتحسين العلاقات بين البلدين، يغذون الخير والسلام والاستقرار، ولا يسيئون لأحد، مؤكداً أهمية وجود بروتوكول تعاون بين الصحفيين فى البلدين، وقد أعد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمصر مذكرة تفاهم مع وزارة الإعلام السودانية، تطالب فى حال وقوع أى خلاف عربى أو مصرى سودانى بمراعاة الحفاظ على ثوابت العلاقات بين البلدين، ومنع أى هجوم يستهدف أياً من الشعبين المصرى والسودانى، ومن الضرورى أن تدرك كل الأطراف أن الخلافات مؤقتة وعابرة، كما تمنع أى اتهامات متبادلة بالتخوين، وتمنع كذلك استخدام ألفاظ السباب لأن تفاهم الجانبين المصرى والسودانى يشكل أساساً صحيحاً للتفاهم مع أى من دول حوض النيل، كما ينص مشروع الاتفاق على توظيف الأقمار الصناعية لأى من البلدين، لكى تكون فى خدمة العلاقات بين البلدين، ويشجع البلدان تبادل البرامج والمواد الإعلامية والإنتاج المشترك بين أجهزة إعلام البلدين، وتنسيق الخطاب الإعلامى، وتبادل مناهج التدريب، كما يتعهد البلدان بتشكيل لجنة مشتركة من المختصين فى البلدين لوضع برامج المتابعة والتقويم الدورى لمهامهما المشتركة.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع