بقلم-مكرم محمد أحمد
كشف بيان أخير صادر عن جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا حجم التواطؤ بين الرئيس التركى أردوغان وجماعة الإخوان على سوريا، بعد أن حثت جماعة الإخوان فى سوريا الرئيس التركى على المُضى قدماً فى مشروعه إنشاء منطقة آمنة فى شمال سوريا، لأن جماعة الإخوان ترى أن لا أمن ولا أمان إلا بوجود الجيش التركى وحلفائه فى هذه المناطق، ولا خلاص وطنيا إلا باجتياح تركى ثالث للأراضى السورية بعد اجتياح عملية درع الفُرات لجرابلس- الباب، وعملية غُصن الزيتون فى منطقة عفرين، وقال المعارض السورى عماد غليون إن بيان جماعة الإخوان جاء صادماً فى توقيته وموضوعه وفى أسلوب صياغته، وأن من المعيب أن نشهد مثل هذه الدعوة لدخول قوات أجنبية من جماعة الإخوان السورية فى هذا التوقيت الحساس والحرج من الأحداث السورية، وأن لهاث جماعة الإخوان وراء مشروع منطقة آمنة ينفى عن الجماعة صفة الوطنية أو الثورية.
ولا تخفى تركيا رغبتها فى التوسع فى المنطقة على حساب سوريا متسلحة بشعار الإرث العثماني، وقد عمل أردوغان على دعم الجماعات المتطرفة وفى مقدمتها جماعة الإخوان لتحقيق هذه المطامع التى كشف عنها وزير الداخلية التركى سليمان جويلو، عندما أكد أخيراً أن دمشق وحلب كانتا لتركيا وكانتا ضمن حدود أمتنا وأن السوريين كانوا يعيشون تحت الراية التركية لأكثر من 400 عام، وكشفت عدة تقارير أن تركيا أسهمت فى تأجيج النزاع السورى عبر دعم القاعدة وداعش وجماعات أخرى، وأكد تقرير نشره موقع نورديك مونيتور السويدى أن الاستخبارات التركية استعانت بضباطها لتدريب وتسليح متطرفين وإرسالهم إلى سوريا بهدف قلب نظام الحكم واستبداله بنظام آخر متشدد يأتمر بإملاءات أردوغان، وأن المخابرات التركية مكنت داعش من التوغل فى شمال سوريا، وأن مطامع أنقرة التوسعية تدفعها إلى إحداث تغييرات ديموغرافية فى بعض المناطق لضمان بقائها فى الأراضى السورية، وأن الإصرار على هيمنة تركيا المنفردة على المنطقة الآمنة يأتى تحقيقاً لأجندة التوسع التركى التى تستهدف الضم العملى لمناطق فى شمال سوريا إلى تركيا، وأن جماعة الإخوان تشكل رأس الحربة فى تحقيق هذا المخطط. وفى ختام أعمال الدورة 151 لمجلس الجامعة العربية أكد وزير الخارجية الإماراتى عبدالله بن زايد آل نهيان أن غياب الدور العربى عن سوريا ليس من الحكمة فى ظل زيادة النفوذ التركى والإيرانى. والواضح أن تركيا لا تزال تعتبر التوسع على حساب الأراضى السورية مشروعها الأهم الذى تروج له تحت شعار الخلافة العثمانية، تساندها فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين التى تلعب دوراً متواطئاً فى تنفيذ المخطط التركى، ولا تمانع فى أن يأتى التوسع التركى على حساب الأراضى السورية، لأن جماعة الإخوان لا تؤمن بالدولة الوطنية وتراها عقبة خطيرة أمام مشروع الخلافة، غير أن خطورة اللعبة التركية تكمن فى محاولتها الصعبة الجلوس على كرسيين فى وقت واحد، الكرسى الأمريكى والكرسى الروسى، ويبدو أن هذه اللعبة المزدوجة تواجه رفضاً متزايداً من جانب الولايات المتحـــدة، خاصـــة أن واشنطــــن تـرفض على نحو قاطع حيازة تــركـيــا لمنظــومـــــة إس-400 للدفاع الصاروخى، وتؤكد أن إصرار تركيا على حيازة المنظومة الروسية سوف يرتب نتائج صعبة على العلاقات الأمريكية ـ التركية، يدخل من بينها منع تركيا من الحصول على طائرات إف 35، وتعرضها لعقوبات أحادية من جانب واشنطن، ووقف بيع أنظمة صواريخ باتريوت المضادة للطائرات، فضلاً عن المزيد من التدهور فى علاقات البلدين، والمزيد من الصعوبات فى إقرار المنطقة العازلة شمال سوريا، خاصة أن الشكوك تراود واشنطن فى أن أردوغان ربما يستثمر الانسحاب الأمريكى الكامل للقوات الأمريكية من سوريا لشن هجوم تركى كاسح على قوات سوريا الديمقراطية حليف واشنطن التى كانت تمثل القوة الرئيسية فى الحرب على تنظيم داعش الإرهابى وطرده من الأراضى السورية، ولا يبدو أن أمام تركيا فى ظل هذه الضغوط سوى أن تحسم خيارها بعد أن تكشف لها صعوبة الجلوس على كرسيين فى وقت واحد، وأن عليها أن تختار بين الولايات المتحدة شريكها الأساسى فى حلف الأطلنطي، وبين روسيا صديقها الجديد فى لعبة الشرق الأوسط.
نقلا عن الأهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع