بقلم مكرم محمد أحمد
استغرب كثيرون معظمهم من غير المصريين أن تبقى ثلاجة الرئيس السيسى لأكثر من 10سنوات شبه فارغة، إلا من الماء رغم أنه ينتمى إلى أسرة ميسورة الحال! وتجرأ بعضهم على اتهام الرجل بالكذب غير السوى أو غير المسوى لأن أحدا لا يمكن أن يعيش على مجرد الماء عشر سنوات!، وبدأت حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعى تتهم وتسخر من الرئيس السيسى الذى لم يحسن تسوية كذبه!.
وصلت إلى حد أن مسئولا عربيا مفترضا فيه بعض الكياسة، وبعد النظر وجد فى ثلاجة السيسى الفارغة فرصة التعبير عن حقيقة موقفه من مصر، وإن اصدر هذا المسئول بعد ذلك اعتذار وتراجع لكن ما فى القلب فى القلب!.
والأمر المؤكد أن السيسى لم يتحدث عن ثلاجته الفارغة فى معرض التفاخر لأن لدى السيسى الكثير من مواضع الفخر، وهو باليقين لم يكذب لأن المصريين يعرفون جيدا أن السيسى المسلم المتدين الملتزم بفريضة الصلاة، والذى نشأ فى حى الجمالية فى عمق قاهرة المعز لا يكذب، وإن كان يكثر القسم حرصا على كسب ثقة سامعيه.
ولأن معظم من انتقدوا السيسى سخروا من ثلاجته لا يعرفون على وجه الدقة طبيعة الحياة التى يعيشها معظم فئات الطبقة الوسطى المصرية، وهم لا يزالون شبابا فى مقتبل حياتهم العملية، حيث يمتنع الأب عن الإنفاق على ابنه مادام قد تخرج، وأصبح له راتب شهري ليس عن بخل أو شح، ولكن كى يعلم ابنه الخريج كيف ينظم حياته وفق هذا الدخل ليصبح أكثر اعتمادا على نفسه، وهذا ما حدث لى شخصيا بعد تخرجى فى الجامعة وعملى محررا تحت التمرين فى الأهرام أقبض راتبا شهريا فى حدود 16 جنيها، وما جربته مع أبنائى تمسكا بتقليد تربوى مصرى صحيح!.
ولأن الدخل المحدود للملازم عبد الفتاح السيسى لم يكن يزيد فى الأغلب على 35 أو 40جنيها فى أفضل الأحوال تكاد تكفى احتياجات المعيشة لشهر تطول أيامه الأخيرة إلى حد أن تصبح معظم الجيوب فارغة أو شبه فارغة، لكن هذا الدخل جد المحدود كان يسد معظم مطالب الحياة، بما فى ذلك أجرة السكن وشراء اللحم مرة أو مرتين فى الأسبوع، ومصاريف الطفل الأول فى الحضانة دون أن يبقى مليم يتيح له أن يملأ ثلاجته التى غالبا ما تكون فارغة... وبعبقرية وحكمة المصريين الجدود الأوائل لخصوا هذه الحالة الاجتماعية الشائعة والمدهشة فى شكل شعبى دارج جد مختصر (من اليد إلى الفم) بما يعنى انهم يملكون الستر، ولا يملكون قدرة الادخار من دخولهم المحدودة، وهذا هو السر الباتع لثلاجة السيسىالمدهشة، الفارغة إلا من الماء لكنها تمتلئ عزة وكرامة تأبى عليه أن يطلب المساعدة من والده.