بقلم - مكرم محمد أحمد
رغم توافق أغلبية المجتمع الأمريكى على أن الحل الصحيح لمشكلة إطلاق النار العشوائى فى عدد غير قليل من المدارس الأمريكية التى أودت بحياة الآلاف من تلاميذ المدارس هو تقييد حق استخدام الأسلحة النارية، يرفض الجمهوريون وعلى رأسهم الرئيس ترامب تقييد هذا الحق الدستورى أو المساس به أيا كان حجم الكوارث الإنسانية التى يمكن أن تقع ومهما بلغ عدد ضحاياها الذين يتجاوزون 60 قتيلاً فى بعض الحالات، آخرها وقع فى ولاية فلوريدا ، حيث اخترق الطالب المفصول نيقولا كروز(19 سنة) أبهاء مدرسة مارجوى العليا، مُطلقاً النار على كل من يلقاه من الطلاب فى صالات المدرسة وممراتها وأفنيتها الداخلية والخارجية بما أدى إلى سقوط 17 قتيلاً، ثم أسقط بندقيته وخلع جاكتته واختفى وسط زحام الهاربين من إطلاق النار قبل أن يتم القبض عليه بعد بضع ساعة فى أحد شوارع المدينةعندما, تعرف عليه أحد الشرطة من أوصاف ملابسه التى أذاعها البوليس. وحتى الآن لم تعرف بعد دوافع ارتكاب الجريمة رغم أن الطالب المتهم معروف بانتهاكه المستمر لأنظمة المدرسة، وبرغم أن المتهم نيقولا كروز معروف للجميع بأنه يهوى الأسلحة النارية وقد اشترى في فبراير2017 البندقية التى استخدمها فى الحادث عبر إجراءات قانونية معتادة, وقتل بها 17 طالباً و15 من المارة أحدهم مدرب الكرة أرون فيس الذى ألقى بنفسه أمام جمع من الطلاب يحميهم من الرصاص العشوائى لكن البطل سقط قتيلاً أمام الجميع. وهذا العام وقع 18 حادث إطلاق نار عشوائى فى مدارس أمريكا، ومنذ عام 2013 وقع 300 حادث فى 170 مدرسة راح ضحيتها أكثر من 150 تلميذاً فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، قد أضحى العنف المسلح فى المدارس الأمريكية أزمة حادة خاصة أن أكثر من 150 ألف تلميذ يدرسون فى 1070 مدرسة ابتدائية وإعدادية قد مروا بتجربة العنف المسلح بسبب حوادث إطلاق النار العشوائى كما أن 24 طفلاً يطلق عليهم الرصاص كل يوم فى الولايات المتحدة، وعام 2016 لقى 1637 شاباً مصرعهم بسبب إطلاق النار العشوائى في المدارس. وطبقاً لدراسة أجرتها جمعية مناهضة حمل السلاح فإن الولايات المتحدة تشكل واحدة من ثلاث دول فى العالم يؤكد فيها الدستور حق المواطن فى أن يحتفظ بسلاح دفاعاً عن نفسه، وعام 2015 أظهر إحصاء أمريكى أن عدد الأسلحة فى الولايات المتحدة يفوق كثيراً أعداد المواطنين، وفى أمريكا كل مائة مواطن يملكون مائة سلاح على الأقل، وفى ألمانيا يملك 32 مواطنا من كل مائة مواطن سلاحاً، وفى السويد يملك 30 شخصا فقط أسلحة نارية، وفى بريطانيا يهبط العدد إلى عشرة أشخاص فى كل مائة مواطن.
وبرغم مئات كلمات العزاء والمواساة وعشرات الصلوات لم يستطع الرئيس السابق أوباما أن يقنع أىا من نواب الكونجرس الأمريكى بضرورة إصدار تشريع يقيد حق استخدام الأسلحة النارية, وأنهى اوباما فترتي حكمه دون أن يتمكن من إنجاز اي شىء يوقف جرائم إطلاق النار العشوائى فى مدارس الولايات المتحدة، وبرغم أن الرئيس الأمريكى ترامب أكثر سخاء فى كلمات العزاء ومواساة أسر الضحايا, إلا أنه لم يتحدث أبداً عن إمكان صدور تشريع يقيد حق استخدام السلاح النارى ,وكان الرئيس الجمهورى ولا يزال يرى أن مشكلة إطلاق النار العشوائى فى المدارس الأمريكية هي مشكلة مرض عقلى ينبغى أن تجد علاجها خاصة أن نسبة كبيرة يعرفون جيداً حالات المرض لكنهم يصمتون عن إبلاغ السلطات المسئولة. وبعد حادث فلوريدا وعد الرئيس الأمريكى ترامب بأن يجمع كل المحافظين والقادة المحليين لمناقشة أبعاد المشكلة التى تتعلق بالصحة العقلية لكن الرئيس ترامب لم يتحدث أبداً عن إمكان صدور تشريع يقيد حق استخدام السلاح رغم التعاطف الواسع من جانب الرأى العام الأمريكى. وكما فشل أوباما فى استصدار تشريع يقيد حق استخدام السلاح النارى، فشل ترامب فى إقناع الجمهور الأمريكى بأن ظاهرة إطلاق النار العشوائى فى المدارس الأمريكية مشكلة تتعلق بالصحة العقلية ينبغى علاجها بعيداً عن أى إجراء يتعلق بتقييد حق المواطن فى امتلاك السلاح النارى دفاعاً عن أمنه، وما بين الفشلين ضاعت حلول المشكلة وازداد عدد حوادث إطلاق النار العشوائى على المدارس وفى الحقيقة فإن الجمهوريين يشكلون العقبة الضخمة أمام حل هذه المشكلة لأنه ما من جمهورى يقبل المساس بحق الأفراد الأمريكيين فى تملك السلاح دفاعاً عن النفس ويعتبرون ذلك واحداً من المبادىء الأساسية التى تشكل عقيدة الجمهوريين.
نقلا عن جريدة الأهرام القاهرية