بقلم - مكرم محمد أحمد
هل نحن إزاء حرب جديدة فى الشرق الأوسط، نشهد بداياتها فى هذا الصدام العسكرى الواسع بين إسرائيل وإيران على الأرض السورية، يُمكن أن تتطور إلى حد ضرب مؤسسات إيران النووية داخل الأرض الإيرانية، ويتصاعد لهيبها إلى مناطق أخرى فى الشرق الأوسط ؟، أم أننا إزاء عملية تقليم واسعة لأظافر إيران تجرى على الأرض السورية بعد أن تمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وأصبح بالفعل خطراً على أمن الشرق الأوسط واستقراره ؟
أظن أن الإجابة على هذا السؤال المهم لن تتأخر كثيراً، وربما نحتاج فقط إلى مجرد أيام وليس أسابيع كى ندرك عمق الحقيقة, خاصة أن الأحداث والوقائع تتلاحق على نحو سريع يؤكد أن الأمور مخططة لأهداف وغايات مرسومة وإن كان من العسير التنبؤ بنتائجها الأخيرة.
لكن أخطر ما يُمكن أن يترتب على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى الإيرانى وعودة تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، أن يتعرض الشرق الأوسط لحرب جديدة، يبدو أننا نشهد بداياتها الآن فى القصف الجوى الواسع لإسرائيل لأهداف حيوية إيرانية داخل سوريا، شملت البنية الأساسية للوجود العسكرى الإيرانى داخل سوريا، المتمثل فى 14 قاعدة عسكرية لإيران وأكثر من 100 ألف من القوات الإيرانية تضُم قوات الحرس الثورى الإيرانى، وقد جاء القصف الإسرائيلى الواسع رداً على صاروخ إيرانى استهدف قوات إسرائيل فى هضبة الجولان، فشل فى تحقيق أى من أهدافه، وطبقاً لاعتراف أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلى فقد استهدف القصف الإسرائيلى كل تجهيزات البنية الأساسية للقوات الإيرانية فى سوريا. وبالطبع بررت إسرائيل قصفها الجوى الواسع لأهداف إيرانية داخل سوريا بالحفاظ على أمنها، ومنع إيران من الاقتراب من حدودها، ووقف سيل الإمدادات الإيرانية إلى حزب الله حليف إيران وذراعها العسكرية فى الشرق الأوسط، وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو قد أضاف سبباً آخر هو أن إيران سربت لسوريا أخطر الأسلحة التى يمكن أن تدمر إسرائيل بما يعنى أن إسرائيل تخوض الحرب دفاعاً عن وجودها، والواضح بالفعل أن إيران تجنبت الرد العسكرى المباشر على إسرائيل قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى رغم سقوط سبعة قتلى على الأرض السورية، ربما لأنها حرصت على ألا تُقدم للرئيس الأمريكى ذريعة لانسحابه المحتمل من الإتفاق النووى الإيرانى، أما وقد انسحبت الولايات المتحدة من الإتفاق النووى بالفعل، فربما نصبح أمام خيار إيرانى آخر بعد أن أكد نيتانياهو أنه لن يتورع عن قصف المنشآت النووية على الأرض الإيرانية. والواضح أن القصف الإسرائيلى الواسع لمنشآت إيرانية حيوية فى سوريا، إضافة إلى تهديدات نيتانياهو الجديدة يشيران إلى وجود اتفاق أمريكى إسرائيلى على حرب جديدة فى الشرق الأوسط، لا يستطيع الرئيس الأمريكى التنصل من مسئوليتها رغم إعلانه السابق أنه لا يريد حرباً جديدة فى الشرق الأوسط، وهذا ما يؤكده الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى تصريحاته الأخيرة وإن كان جون بولوتون مستشار الأمن القومى الأمريكى يؤكد أن التصعيد الإسرائيلى مع إيران، إضافة إلى ضغوط أمريكا الاقتصادية يمكن أن يسرعا بسقوط نظام آية الله بما يؤكد أن التصعيد الإسرائيلى جزء من رؤية شاملة لا تستطيع الولايات المتحدة التنصل من مسئوليتها. يدخل ضمن هذه الرؤية الشاملة، أن سوريا تُشكل قلب مشروع إيران فى الشرق الأوسط، وأنها الأكثر أهمية وخطورة من كل أذرع إيران العسكرية فى المنطقة، بما فى ذلك حزب الله فى لبنان والحوثيون فى اليمن، ولو أن إيران لقيت الهزيمة فى سوريا فسوف تٌهزم فى كل مكان لأن إزاحة الوجود العسكرى الإيرانى من سوريا سوف يتبعه سقوط الحوثيين فى اليمن، وضمور قوة حزب الله فى لبنان ولهذا فإن سوريا بالنسبة لإيران أهم من حزب الله والعراق واليمن، وهذا صُلب وجوهر الموقف الأمريكى الراهن فى تحالفه الوثيق مع إسرائيل، وتبنيه الكامل لمشروع رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو الذى يُعجل بحرب جديدة فى الشرق الأوسط، هدفها الإستراتيجى الأول تدمير الوجود الإيرانى فى سوريا حتى وإن تطلب الأمر إطالة الحرب السورية وتدمير الدولة السورية. ويصبح السؤال المهم هنا ما هى حقيقة الأوضاع داخل إيران، وهل يمكن لعمليات التصعيد الإسرائيلى الأخيرة التى يتم تنسيقها مع ضغوط أمريكا الاقتصادية أن تؤدى بالفعل إلى سقوط نظام آيات الله ؟!. الأمر المؤكد أن إيران تعانى من موقف اقتصادى صعب أثر سلباً على أسعار عملتها حتى من قبل أن تبدأ عقوبات الرئيس ترامب الأخيرة، لكن الواضح أن المرشد الأعلى آية الله خامنئى الذى لم يكُن أبداً صديقاً للرئيس حسن روحانى، يساند الآن بقوة سياسات حسن روحانى، التى يرى 59 فى المائة من الإيرانيين أنها الأفضل، رغم قوة تيار المحافظين الذين لا يرون أى فائدة يمكن أن ترجى من وراء جهود روحانى الدبلوماسية، وأن على إيران أن تُنهى الاتفاق النووى وتستعيد برنامجها النووى، وإذا كان خصوم حسن روحانى من المحافظين يرون أن على روحانى أن يرحل، لأنه قدم تنازلات ضخمة وتسبب على مدى السنوات الخمس الماضية فى تحطيم البرنامج النووى الإيرانى وفقدان طهران قدراتها العلمية والصناعية فى المجال النووى دون أن يتمكن من تحسين حياة الإيرانيين، الذين لا يزالون يعانون ارتفاع مستويات البطالة وانخفاض أسعار العملة، كشفت عنها مظاهرات الشتاء الماضى احتجاجاً على إلغاء بنود عديدة من الدعم، فإن آية الله خامنئى على العكس فى ذلك لا يرى بأساً من أن يستمر حسن روحانى فى جهوده من أجل محاولة تحصين الاقتصاد الإيرانى من أخطار المقاطعة وتخفيف آثار تطبيق العقوبات الاقتصادية الجديدة والحفاظ على استمرار تدفق البترول الإيرانى إلى الأسواق العالمية. والواضح أن المرشد الأعلى على خامنئى سوف يبقى على الرئيس حسن روحانى إلى حين اكتشاف مدى قدرته على تثبيت مواقف الأوروبيين من الاتفاق، ومدى استعداد الأوروبيين لمقاومة العقوبات الاقتصادية التى يفرضها الرئيس الأمريكى على الجميع بما فى ذلك الشركات الأوروبية إن رفضت الامتناع عن التعامل التجارى مع إيران، لكن حسن روحانى الذى يواجه الضغوط من كل جانب سوف يبقى فى موقف الدفاع، يقتطع جزءاً من وقته وجهده لمواجهة خصومه فى الداخل الذين يعزفون على نغمة أنه قدم تنازلات ضخمة دون أن يحس الإيرانيين تغييراً حقيقياً يخفف من مصاعب حياتهم، وما من شك أن الإتفاق النووى الإيرانى قد ساعد إيران على فك عزلتها وأعطاها فرصة التخفف من أعباء العقوبات الاقتصادية، كما أعاد البترول الإيرانى إلى الأسواق العالمية، ومَكن إيران من استعادة أرصدتها المجمدة، وربما يكون غاية ما يأمله الرئيس حسن روحانى فى هذه الظروف أن يلقى الاتفاق مساندة الأوروبيين الذين رفضوا مسايرة الرئيس ترامب وأن يستمر تدفق البترول الإيرانى إلى الأسواق العالمية لا يخضع للمقاطعة من جانب الأوروبيين رغم عقوبات الرئيس الأمريكى ترامب. وفى غضون هذا الأسبوع سوف يلتقى وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف مع وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا أملاً فى أن يلقى الاتفاق الإيرانى مساندة قوية من داخل أوروبا، تؤكد ضرورة استمراره وأن يصمد الأوروبيون أمام ضغوط الولايات المتحدة المتصاعدة التى سارعت إلى الإعلان عن عزمها على فرض العقوبات على أى مؤسسة تواصل أعمالها التجارية مع طهران، فى تهديد واضح للمؤسسات الأوروبية التى تتعامل مع طهران، أكدته قرارات وزارة المالية الأمريكية قبل يومين، التى أعطت الشركات الأوروبية مهلة ما بين ثلاثة وستة اشهر لإنهاء تعاقداتها مع طهران بما فى ذلك شراء البترول الإيرانى، الأمر الذى أدى إلى أن يعلن وزير المالية الفرنسية برنو لابير ضرورة أن تدافع أوروبا عن مصالحها الاقتصادية وإستقلالها الاقتصادى خاصة أن أوروبا تستطيع أن تستخدم المعايير ذاتها لحماية مصالحها، واقترح الوزير الفرنسى أن تتجاهل الشركات الأوروبية العقوبات الأمريكية التى لا ينبغى أن يُعتد بها فى أوروبا، وأن تبدأ أوروبا على الفور فى تعزيز إستقلالها المالى وامتلاك الأدوات التى تُمكنها من تحقيق هذا الاستقلال، وزاد الطين بلة تصريحات السفير الأمريكى فى ألمانيا التى أكد فيها ضرورة أن تبدأ الشركات الأوروبية فى خفض تعاملاتها مع إيران بما أثار موجة من الانتقاد الأوروبى الحاد، دفعت السفير الأمريكى إلى أن يُعلن أن ما قاله مجرد نصيحة وليست أوامر يصدرها للشركات الألمانية، خاصة بعد تصريحات وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبى فريدريكا موجرينى التى أكدت أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووى يمثل خيانة لأوروبا، وأن الرئيس الأمريكى تسبب فى أكبر انقسام شهدته العلاقات الأوروبية الأمريكية منذ الغزو الأمريكى للعراق، والواضح من تصريحات المسئولين الأوروبيين أن أوروبا (حتى الآن) ترفض سريان العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية، وتنتصر لبقاء الاتفاق النووى مع إيران لأنه يحقق مصالحها ويزيد من حجم تجارتها مع طهران، وإن كان البريطانيون أقل الأطراف الأوروبية تعاملاً مع إيران، كما أن الروابط المالية بين بريطانيا وأمريكا أقوى بكثير من الروابط مع إيران، لكن التنبؤ بخروج بريطانيا عن الموقف الأوروبى يبدو تعجلاً لقرار بريطانى لم تظهر بعد أى إشارات له.
ويتعجل الإيرانيون أن تتخذ أوروبا خاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا خطوات عملية ملموسة تُعزز المشاركة الاقتصادية والتجارية مع إيران، وتُحصن الاتفاق النووى الأوروبى فى وجه الضغوط الأمريكية لأن إيران إذا لم تجد مساعدة أوروبية واضحة وقوية للإبقاء على الاتفاق النووى الذى لا يزال يحظى بتأييد روسيا والصين، فربما لا يكون أمامها خيار آخر سوى إحياء برنامجها النووى، وذلك يعنى تصعيد سباق التسلح النووى فى الشرق الأوسط، ودفع السعودية ومصر إلى امتلاك سلاح نووى، بما يزيد مشكلات المنطقة تعقيداً، ويعطل برامجها التنموية، ويؤخر خلاصها من مشكلات اجتماعية واقتصادية صعبة، ومع الأسف المستفيد الوحيد من بقاء الموقف فى الشرق الأوسط رهن هذه الظروف هو إسرائيل.
ومع ذلك يظل مصير الشرق الأوسط رهناً بهذا السؤال العصي، هل هى حرب جديدة فى الشرق الأوسط يمكن أن يتسع نطاقها لتشمل أطرافاً أخرى غير إيران وإسرائيل ويمكن أن تتصاعد خارج الأرض السورية لتشمل مناطق أخرى فى الشرق الأوسط، أم أنها مجرد عملية تقليم لأظافر إيران يمكن أن تساعد على ردع طهران وإلزامها وقف مساندة جماعات الإرهاب والتزام حدودها داخل إيران، ويمكن فى الوقت نفسه أن تعيد الحوثيين إلى حجمهم الحقيقى وتضبط سلوك حزب الله وتقلل من مغامراته خارج الأراضى اللبنانية.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع