بقلم - مكرم محمد أحمد
بعد وقت قليل من الإفراج عن مئات المعارضين من زعماء قبائل الأورومو الذى غمر إثيوبيا بموجة فرح غامر، أطلقت العديد من الاحتفالات فى طول البلاد وعرضها، أعلن هيلا ماريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبى استقالته من منصبه الحكومي، واستقالته كرئيس للحزب الحاكم بهدف التخفيف من حدة الأزمة التى تعتصر البلاد، إثر الاضطرابات الواسعة التى اجتاحت مناطق قبائل الأورومو احتجاجاً على تأخير الإفراج عن مئات المسجونين السياسيين الذين ينتمى معظمهم إلى الأورومو، أوسع القبائل انتشاراً فى إثيوبيا، ويكاد يشكلون وحدهم ثلث تعداد البلاد، وتحيط مناطقهم بالعاصمة أديس أبابا، ويحتلون مساحات شاسعة من أراضى إثيوبيا التى تعود فيها ملكية الأرض إلى القبائل وليس الدولة.
وأكد ديسالين أنه سيبقى فى منصبيه لحين اختيار رئيس حزب ورئيس وزراء جديد، وأنه استقال ليكون جزءاً من الجهود التى تبذل الآن لإيجاد حل دائم للأزمة الراهنة التى أدت إلى مآس وجراح دامية وإضرار جسيم بالممتلكات، مؤكداً ضرورة أن يكون الإصلاح شاملاً وديمقراطياً ينهى تهميش مصالح البعض ويعترف بحقوق المواطنة لجميع الإثيوبيين، وقبل يومين فقط من استقالة رئيس الوزراء ديسالين حذر السفير الأمريكى فى أديس أبابا ميشيل رينور من بوادر قلاقل تهدد استقرار البلاد مطالباً الحكومة بسياسات أكثر انفتاحاً وحوار أكثر ديمقراطية لأن الناس تحتاج إلى حرية التعبير ومن حقهم أن يعبروا عن أنفسهم سلمياً وأن يثقوا فى قدرتهم على أن يحققوا ذلك .
ورغم أن إثيوبيا تعتبر نفسها دولة ديمقراطية، لكن حزبها الحاكم الذى ينتمى معظمه إلى قبائل التجراى التى تشكل 6 فى المائة فقط من السكان يحوز مائة فى المائة من مقاعد البرلمان، فضلاً عن كثرة الصراعات القبلية بين الأورومو الذين يشكلون الأغلبية والأمهرا الذين يشكلون ثانى أغلبية سكانية وقبائل التجراى الشمالية وقبائل الصومال بما يزيد من حدة الصراعات القبلية .
وينظر الجميع إلى رئيس الوزراء ديسالين على أنه راعى وحدة البلاد وضميرها العام, وربما لا يكون لديسالين سلطة ضخمة تمكنه من تنفيذ كل ما يريد ولكنه يمثل رمانة الميزان التى ترجح الرأى الأكثر قبولاً وإمكاناً خاصة مع وجود شخوص عديدين هم الأكثر نفوذاً وقوة داخل الجيش وداخل الجبهة الثورية الديمقراطية الحاكمة التى تعقد مؤتمرها العام هذا الشهر، ومع أن ديسالين لا يزال يشكل جزءاً مهماً من مستقبل إثيوبيا فإن هناك من يرون أن الجبهة تريد فى هذه المرحلة العصيبة رئيس وزراء قويا بينما لا يملك ديسالين السلطة الكافية، فضلاً عن أن البعض يعتقد أنه فقد السيطرة على الشارع, وأيا كان الرأى فى رئيس الوزراء ديسالين فإن من الصعب تحميله وحده عبء مشكلة قبائل الأورومو التى تعانى التهميش منذ أحداث 2015، وبعد أن أعلنت الحكومة حالة الطوارئ فى أكتوبر عام 2016، لأننا إزاء مشكلة تغوص أسبابها فى عمق المجتمع الإثيوبى يحتاج حلها إلى رؤية ديمقراطية توسع دائرة الحوار فى المجتمع الإثيوبى بدلاً من إلقاء اللوم على أسباب غير صحيحة كما حدث قبل عدة أعوام عندما جرى اتهام مصر بتحريض الأورومو على التمرد ثم ثبت بعد ذلك أن الاتهام غير صحيح، وأن مصر لا شأن لها بأوضاع الداخل الإثيوبى وأوضاع الداخل فى أى بلد عربى أو إفريقي، والأمر المؤكد أن مصر تنظر بقلق بالغ إلى الأوضاع الإثيوبية وترجو لو أن إثيوبيا خرجت من أزمتها الأخيرة أكثر قوة وتوحداً ,لأن إثيوبيا دولة إفريقية مهمة ذات طموح إقليمى متزايد، نجحت فى غضون العقد الأخير فى تحقيق معدلات تنمية عالية تجاوزت 10 فى المائة، لكنها عانت الكثير من عدم الاستقرار الاجتماعى خلال السنوات الماضية بسبب مشاكلها القبلية التى تفاقمت مع تفاقم أزمة الأورومو أكبر القبائل عدداً وأكثرها تملكاً لأراضى إثيوبيا .
ولا ينكر ديسالين حاجة إثيوبيا إلى إصلاح اجتماعى ديمقراطى شامل يواكب نهضتها الجديدة، ويزيد من فرص استقرارها الوطني، خاصة أنها حققت بالفعل فى فترة رئيس الوزراء ملس زيناوى نهوضاً اقتصادياً جعلها فى مصاف الدول الإفريقية المتقدمة، ثم جاء توافقها الأخير على تسوية عادلة وشاملة لمشكلة مياه النيل مع دولتى المصب، السودان ومصر ليؤكد التزامها الواضح بإيجاد حلول أفريقية لمشكلات إفريقيا تساعد على تنمية الحوار والمصالح بين دول الجنوب بما يحفظ لإثيوبيا مكانتها ضمن دول الاتحاد الإفريقي, دولة رائدة تحافظ على علاقاتها الإفريقية ترفض الإضرار بمصالح أى من دول حوض النيل، تدرك أن علاقاتها مع مصر تشكل جزءاً مهماً من تاريخ القارة السمراء ينبغى تنميته حفاظاً على المصالح المشتركة سواء كان على رأس الحكم رئيس الوزراء السابق ديسالين أو شخص جديد يحظى بدعم شعبى واضح أو أحد رجال الحرس القديم الذين يمثلون اركان الدولة العميقة فى إثيوبيا.
نقلا عن الاهرام القاهرية