على المستوى الشخصي، ربما أكون ضمن قلة أو كثرة يعتقدون بأحقية أن يحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى مصر للفترتين اللتين حددهما الدستور دون نقض أو ابرام لمجرد انه خلص مصر من حكم (الجماعة والمرشد)، لأنى أعرف على وجه اليقين ماذا كان يمكن ان تئول اليه أحوال مصر إذا استمر حكم الجماعة؟!، وماذا كان يمكن ان يحدث لشخصى الضعيف وبيته واسرته إذا استمر محمد مرسى رئيسا للبلاد بعد أن هددنى بالويل والثبور فى آخر خطاب ألقاه قبل ان يرحل!
لكن حالى ليس حال غالبية المصريين الذين ربما يستشعرون فضل الرئيس السيسى لانه خلص مصر من حكم جماعة الاخوان المسلمين، لكنهم لايرون ان هذا الانجاز على ضخامته يكفى وحده لاعفاء الرئيس من كل المسوغات والالتزامات التى يجب ان يحملها على عاتقه إذا اراد ان يستمر فترة أخرى فى منصبه رئيسا للجمهورية، بما فى ذلك إقناع غالبية الشعب بجدارة استحقاقه واستمراره فى هذا المنصب الرفيع، من خلل برامج عمل واضحة تحقق اهداف ثورتى يناير ويونيو فى العيش والكرامة والحرية والتقدم، خاصة ان هناك نسبة من المعترضين على حكم الرئيس السيسي، يرون فيه نقائص عديدة واوجه خلل بالغة الاهمية تستحق المصارحة والعلاج، كما ان هناك آخرين يطمحون على الأقل فى ان يكون نظام حكمه أكثر قدرة وحسما على مواجهة مشكلات مصر الصعبة، وله أنياب ومخالب تطول اللصوص والفاسدين والمهملين واصحاب الذمم الخربة! لان العدالة البطيئة لاتصلح ولاتكفى لان تكون اداة اصلاح حقيقى ترسخ العدل فى بلد يزدحم بالمشاكل كما يزدحم بالناس،تسوده بيروقراطية عتيقة قادرة على تعويق وافساد أى حاكم.. واظن ان الديمقراطية التى نهفو إليها جميعا تلزمنا بأن نستمع إلى اصوات هؤلاء جميعا، كثرعددهم أو قل، لان حق الاختلاف والاعتراض مصون بقوة الدستور والقانون.
هناك من يرون ان الرئيس السيسى لايختلف فى جوهر حكمه كثيرا على سابقيه،عبدالناصر والسادات ومبارك، لانه يهتم بالحجر قبل البشر!، ويرى إنجازه الاكبر فى ان يبنى ويشيد اعمالا هندسية فائقة العظمة تبقى شواهد للخلود، مثل الاهرامات وابوالهول وابهاء الكرنك وقصور اسرة محمد على والسد العالي، وصولا إلى ازدواج القناة وبناء العاصمة الادارية الجديدة للبلاد، وكلها مشروعات قومية كبرى تحتاجها مصر،لكنها ربما تفقد بعض اولويتها فى غيبة الاهتمام الحقيقى بالانسان المصرى الذى لا يزال يأكله الفقر والمرض والغلاء والحكم غير الرشيد، ومع ذلك يتوالد ويتناسل على نحو كثيف رفع سكان مصر إلى مايزيد على 90مليون نسمة، لايحسنون استثمار هذه الانجازات المادية على نحو امثل لانهم بفتقدون قدرات اساسية عديدة هى التى تخلق نهضة الشعوب!..،وهذا ما ادركه الرئيس عبدالناصر فى نهاية فترات حكمه عندما ابدى دهشته من نجاح المصريين فى بناء السد العالى رغم كل التحديات التى واجهتهم وبينها العدوان الثلاثي، فى الوقت الذى لايزالون يعجزون عن تدبير إدارة رشيدة لمستشفى قصر العيني!! ومع قسوة هذا الاعتراف وشفافيته لم يغير عبدالناصر من نهجه وأولوياته ليفرض اولوية بناء الانسان على بناء الحجر، وأظن ان حال مصر الراهن تكشف صدق هذه الحقيقة القاسية، ففى مصر الاف المدارس ومئات المستشفيات والاف الوحدات الصحية وعشرات الجامعات،والعديد من المؤسسات العلمية والبحثية،ومع ضخامة هيكل البنية الاساسية الإدارى على هذا النحو، إلا ان جميعها لايؤدى عمله على الوجه الاكمل، فالمدرسة لاتربى ولاتعلم! والمستشفى لايملك امكانات العلاج الحقيقى لقصور موازنته!، والجامعات تخرج اعدادا مهولة كل عام لاتحتاجها سوق العمل.
استنادا إلى هذه الحيثيات يعتقد أولئك وهؤلاء ان الرئيس السيسى لم يأت بجديد لأن الجديد المطلوب هو تحرير الانسان المصرى من الفقر والجهل والمرض والمخدرات وغياب الحكم الرشيد، وما لم يتم ذلك من خلال مشروع ثورى قومى يتبنى برامج جادة لتحسين أحوال المناطق الفقيرة، ومحو الامية التى جاوزت نسبتها 60%، ومعالجة مشاكل البيئة التى تدهورت إلى حد مفزع لان انظمة الحكم المتتابعة لم تهتم بمعالجة الاثار الجانبية لبناء السد العالي! بعد ان فرغت معظم الترع الفرعية التى تخترق الاف القرى من المياه الجارية،التى غاضت عنها لتصبح مجرد (سرسوب) أزرق فى قاع الترعة تحاصره تلال القمامة وأكياس البلاستيك! تنتج فيروسات قاتلة تأكل أكباد المصريين وكلاويهم، وتقزم أحجام اطفالهم، وتكسو بالشحوب وجوههم بسبب فقر الدم ونقص التغذية.
ومع ان البعض يعتقد ان الصورة على هذا النحو تحمل قدرا كبيرا من التعميم والمبالغة، لان الرئيس السيسى ربما يكون أول رئيس مصرى يعلن التزام حكومته بمعالجة جميع المصريين المصابين بالتهاب الكبد الوبائي(فيرس سي)مهما تكن اعدادهم اوكلفة علاجهم، لكن ما من شك ان غياب برنامج واضح يكون الانسان المصرى هو محوره الأهم والأول، يعالج مشكلات الفقر والجهل والصحة، ويغير حياة المصريين على نحو اشمل واسرع، يمثل نقصا مهما وحيويا لان وجود مثل هذه البرامج يضفى المزيد من الحيوية على حكم الرئيس السيسي، وينقل العلاقة بين الحكم والشعب من مستوى الرعية إلى مستوى المواطنة الصحيحة التى تهتم وتشارك وتتفاعل مع الحكم فى حوار بناء، بدلا من حالة السكون الراهنة التى تبقى على الشعب فى حالة انتظار دائم، لايشارك ولايتفاعل مكتفيا بالنقد والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي!.
الكثيرون يأخذون ايضا على نظام حكم الرئيس السيسى انه لا يهتم كثيرا بقضية الثواب والعقاب ولايابه لعدم وجود ادوات ردع كافية ومشروعة تلزم الجميع باحترام وتنفيذ حكم القانون،اعتمادا على نظام قضائى كسيح لايصون الحقوق أو يحفظها، تطول فيه مدة التقاضى أعواما تصيب صاحب الحق باليأس والاحباط، إلا ان يكون صاحب سطوة ونفوذ يمكنه من ان يأخذ القانون بيده ويتولى تنفيذ الاحكام وفرض العقاب من خلال شرطة خاصة بديلا عن الدولة ليسود المجتمع فى النهاية شريعة الغاب، لان القوى وحده هو الذى يستطيع ان يحافظ على حقوقه، وما اكثر الضعفاء الذين تضيع حقوقهم فى مصر بسبب صعوبة التقاضى وطول امده الزمنى بل لعلهم الغالبية العظمي! ومع الأسف تعانى الدولة نفسها من بطء التقاضى الذى ضيع فرص استثمار عديدة رغم انشاء محاكم اقتصادية لان المستثمرين يعرفون جيدا مصير حقوقهم إذا ذهبوا إلى القضاء!
وما من حل لهذه المشكلة سوى اصدار قانون جبرى يلزم المحاكم الابتدائية بالفصل فى قضايا الجنح فى غضون أشهر لاتطول إلى عام، ويلزم محاكم الجنايات بالفصل فى قضاياها فى غضون عامين على الاكثر، كما يلزم السلطة التنفيذية بسرعة تنفيذ الاحكام الباتة والنهائية فى اجال محددة لاتطول شهورا، وتعاقب من يتراخون أو يهملون أو يتجاهلون مواعيد تنفيذ هذه الاحكام.. لكن البيروقراطية المصرية تواجه هذه الحلول بقائمة من المطالب التعجيزية تجهضها بضربة قاضية تحت ذريعة عجز الموازنة وانعدام الموارد!.. ومع الاسف لاينتبه الحكم إلى قدرة هذه المشكلات على ان تاكل مصداقيته قضمة وراء قضمة، لان صاحب الحق الضائع لايتحمس اويكترث كثيرا بانجازات الحكم المادية مهما تعددت،مادام يستشعر الظلم وغياب قدرة القانون على انصافه! وما لم يتم تطوير النظام القضائى فى مصر على وجه السرعة بما يحقق العدالة الناجزة فسوف تبقى الحال على ما هى عليه، الجميع يشكون من غياب العدل وتآكل الحقوق، والعدل كما تقول نصيحة ارشادات كراساتنا المدرسية القديمة هو اساس الملك وضمان سلامته وامنه واستمراره.
وما ينقص حكم الرئيس السيسى على كثرة انجازاته المادية انه لم يفعل الكثير كى يكرس لدى جميع المصريين التزام الحكم بمدنية الدولة القانونية الديمقراطية التى توافق المصريون على اقامتها، وقد يكون مع الرئيس السيسى الحق عندما يلجأ إلى الادارة الهندسية للقوات المسلحة كى تشرف على تنفيذ شركات القطاع الخاص وقطاع الاعمال لعدد من المشروعات الحيوية المتعلقة ببناء المدن والمجتمعات السكنية الجديدة أو انشاء شبكة الطرق القومية الجديدة على أهميتها وحيويتها الاستراتيجية، اعتقادا منه بان اشراف القوات المسلحة على اعمال هذه الشركات سوف يضمن انجاز المشروعات فى توقيتاتها المحددة، كما يضمن جودة العمل واتقانه والتزامه بالمواصفات الاساسية التى تم التعاقد عليها، وما من ملاحظات مهمة على هذا التصرف سوى ان الذين لا يريدون نجاح مشروع السيسى يطلقون الشائعات بهدف النيل من حيدة القوات المسلحة وموضوعية قراراتها ويثيرون اللغط حول هذه القرارات دون اى مسوغ أو ادلة فعلية.. ومع ذلك فان الالتزام بالدولة القانونية المدنية يفرض على الحكم حسن الموازنة بين المدنيين والعسكريين فى توزيع المناصب العليا، وإذا كان تعيين محافظين عسكريين فى المحافظات الحدودية اصبح عرفا مقبولا يستند إلى مسوغات موضوعية يصعب رفضها،فان تعيين عسكريين فى مناصب اصطلح على ان يكون شاغلوها من المدنيين مثل وزيرالتموين ومحافظ القاهرة يبدو كمستجدات طارئة لاسوابق لها، رغم اعترافى بكفاءة الشخوص الذين تم تعيينهم فى هذه المناصب واهليتهم لادارة هذه المواقع بكفاءة اعتمادا على خبراتهم السابقة فى القوات المسلحة.
وما ينبغى ألا يغيب عن ذهن الحكم لحظة واحدة، ان هناك عشرات الالاف من اعضاء جماعة الاخوان المسلمين، يعيشون بين ظهرانينا مواطنين عاديين لهم كل حقوق المواطنة ولايخضعون لاى من صور التمييز السلبى التى تستبعدهم من مواقع عملهم أو تفرض عليهم أى قيود غير قانونية، لكن هؤلاء يشكلون فى الحقيقة ماكينة هائلة وضخمة جاهزة لخلق الاشاعات وترويجها،مهمتها مسخ كل انجاز لحكم الرئيس السيسي، وتشويه شخوص معاونيه، وتسفيه كل حجه يمكن ان تقال دفاعا عن حكمه، وتضخيم كل ما هو سلبى يأكل من مصداقة الحكم، او يشكك فيه.. ومع الاسف لايملك السيسى جهازا مقابلا يفسد خطط جماعة الاخوان المسلمين ويكشفها، وليس له حزب سياسى يشكل ظهيرا شعبيا يدافع عن حكمه وسياساته، ويزيد من تعقيد الصورة ان الحكم درج على عادة غير حميدة ينبغى الاقلاع عنها، تتمثل فى الترفع الزائد عن الرد على اسئلة حيوية يتحتم الرد عليها من نوع لماذا الاصرار على اولوية العاصمة الإدارية الجديدة رغم الازمة الاقتصادية؟! ولماذا يشغل منصب وزير التموين جنرال سابق من القوات المسلحة؟!، ومن هم الاعضاء الذين يستشيرهم الرئيس ضمن هيئة مكتبه؟! ولماذا يصبر كثيرا على حكومة كثرت أخطاؤها لاتتميز سوى بالتردد فى اتخاذ القرار وافتقاد الحسم، واخيرا لماذا لا نراه غاضبا رغم كثرة ما يغضب فى مصر؟!
ولايعنى الحديث عما ينقص حكم الرئيس السيسى ان نستلب من الحكم نجاحاته وانجازاته المهمة، لان ازدواج القناة مشروع حيوى وإن تأخرت بعض الوقت ثماره، ولان تحويل محور القناة إلى مركز صناعى ضخم لصناعات تخص التصدير ومركز لوجستى استراتيجى يعزز انشطة التجارة الدولية لصالح شعوب العالم واممه، مشروع حيوى سوف تبدأ ثماره فى الظهور عام 2018 سواء فى منطقة عين السخنة أو شرق بورسعيد، ولان خطة تحديث شبكة الطرق والمواصلات المصرية تمثل هدفا استراتيجيا يساعد على انجاز التنمية، كما انه يمثل اضافة حقيقية لمصر، ولان هذه الاعداد المهولة من ابنية الاسكان الاجتماعى التى سوف تصل إلى ما يقرب من مليون وحدة سكنية تمثل اضخم مشروع اسكانى فى تاريخ البلاد، ولان الوفاء بحقوق المواطنين الاقباط والاعتراف بعيدهم عيدا للوطن كله وانجاز قانون بناء الكنائس بعد عقود طويلة من التلكؤ هو خطوة حضارية تثبت تمدن المصريين، وهكذا دواليك وصولا إلى الحرب على الارهاب التى تخوضها مصر باقتدار وبسالة.
وأظن ان الانصاف يتطلب منا جميعا ان نتذكر أن السيسى يحكم مصر منذ عامين فقط يشكلان نصف استحقاق ولايته الاولي، وقياسا على هذا الزمن المحدود تحقق فى مصر انجاز ضخم وكبير، قد لايكون كافيا أو مرضيا للجميع وربما يعانى من خلل فى بعض اولوياته، لكن مشوار الالف ميل يبدا بامتار معدودة على اول الطريق، وهو فى النهاية انجاز المصريين وحصيلة قدراتهم وطاقتهم وليس انجاز السيسى وحده، ومن الضرورى ان نعرف نقائصه وعيوبه فى ظل توافق المصريين على ضرورة النهوض بدولة مدنية قانونية ترعى مصالح كل فئات الشعب العامل.. وإذا كان هناك درس ضرورى مستفاد من تجربة التنمية المصرية، فإن بناء البشر لابد ان يسبق بناء الحجر، كما أن نجاحنا فى خلق إدارة رشيدة لمستشفى قصر العينى ينتفى معها التسيب والاهمال، يعنى اننا قادرون على إدارة محطة كهرباء نووية، ومعامل ابحاث متقدمة تدرس علوم الليزر والفيزياء والكيمياء النووية والرياضيات وعلوم الطبيعة التى هى عصب التقدم الانساني.