بقلم-مكرم محمد أحمد
يبدو أن منطقة القرن الإفريقى التى تضُم الصومال وإثيوبيا وإريتريا التى تُشكل أحد المداخل الإستراتيجية المهمة للبحر الأحمر تدخل الآن مرحلة استقرار جديدة، تنهى عقدين كاملين من الحروب والصراعات التى استنزفت دول المنطقة، وبوصول رئيس الوزراء الإثيوبى الجديد آبى أحمد إلى العاصمة الإريترية أسمرة أمس الأول فى رحلة تاريخية التقى فيها الرئيس الإريترى أسياسىأفورقى كسرت حاجز العداء بين البلدين، وأنهت صراعاً دامياً راح ضحيته عشرات الآلاف رغم روابط التاريخ والدم والثقافة، يدخل القرن الإفريقى مرحلة سلام واستقرار يمكن أن تؤثر إيجاباً على كل المنطقة، وقد لقى رئيس الوزراء الإثيوبى حفاوة بالغة فى أسمرة حيث اصطف الإريتريون على طول شوارع العاصمة، يرفعون شعارات السلام هو التقدم، وجميعنا يُحب السلام، والسلام هو الصحة والتعليم والتقدم، وفى المساء أعلن الرئيسان آبى أحمد وأسياسى أفورقى عزمهما على تطبيع العلاقات، وتبادل التمثيل الدبلوماسى، واستعادة خطوط الطيران والسماح بالاتصالات التليفونية المباشرة بين البلدين، كما سمحت إريتريا لإثيوبيا باستخدام موانيها على البحر الأحمر، كما كان الأمر قديماً قبل 30 عاماً، عندما كانت إريتريا مجرد محافظة من محافظات إثيوبيا قبل أن تنفصل فى دولة مستقلة، وفى الكلمات التى تبادلها الرئيسان فى حفل عشاء قال رئيس الوزراء الإثيوبى إن خروج الإريتريين إلى الشوارع للترحيب بالزيارة يؤكد أن الحب بين الشعبين أقوى من الصواريخ والدبابات وأكثر الأسلحة تقدماً، بينما قال الرئيس الإريترى إن الإريتريين أخذوا فرصة للتعبير عن حبهم للإثيوبيين، وأن القرار الشجاع الذى أخذه رئيس الوزراء الإثيوبى بإعادة المناطق المختلف عليها إلى إريتريا لم يكن بالقطع قرارا سهلا، وعلينا أن نؤكد لشعبينا أننا سوف نواجه المستقبل معاً، وسنعمل مع رئيس الوزراء الإثيوبى كما لو أننا شخص واحد.
والواضح أن الزيارة أنهت حالة من اللاسلم والحرب بين البلدين استمرت أكثر من 20 عاماً، عندما توصلت إريتريا وإثيوبيا إلى اتفاق سلام تحت رعاية جزائرية عام 2000 بعد حرب ضروس تواصلت لعقدين، راح ضحيتها 70 ألفاً من الجانبين، لكن البلدين فشلا فى إقرار مشكلات الحدود ليتجدد الصراع والمواجهات، إلى أن أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى 5 يونيو الماضى استعداد إثيوبيا لإعادة الأرض الإريترية المختلف عليها، وأكد الرئيس الإريترى أسياسى أفورقى أن مبادرة رئيس وزراء إثيوبيا تفتح طريق السلام، وتحيى الاتفاق الذى وقعه البلدان عام 2000، وثمة ما يشير إلى أن وساطة خيرة قامت بها السعودية ودولة الإمارات لإصلاح العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، وإصلاح العلاقات المصرية الإثيوبية فى إطار سياسة جديدة لإثيوبيا تحرص على أن تكون علاقاتها بجيرانها الأفارقة صفر مشكلات وترسم سياسة اقتصادية جديدة للبلاد أكثر انفتاحاً، تتيح للقطاع الخاص الإثيوبى المساهمة فى مشروعات التنمية دون سقف أو حدود بما يسمح للقطاع الخاص أن يسهم ويشارك فى أنشطة اقتصادية وصناعية كانت وقفاً على الحكومة.
ومنذ وصول آبى أحمد إلى الحكم فى إثيوبيا فى مارس الماضى، الذى ينتمى لقبائل الأورومو أكبر القبائل فى إثيوبيا التى كانت تعانى التهميش رغم أنها تملك أكبر المساحات أرضاً فى البلاد، ورئيس الوزراء الجديد يسعى إلى لملمة جراح الإثيوبيين، وتعزيز وحدتهم، كما أطلق سراح مئات المعتقلين السياسيين، وأنهى حالة الطوارئ قبل موعدها بشهرين، ويشارك فى حوار مستمر مع المعارضة الإثيوبية، ويتبنى نهجا اقتصادياً جديداً يقوم على الانفتاح، وبرغم محاولة اغتياله بواسطة سيارة مفخخة اعترضت موكبه، يواصل آبى أحمد سياساته بثبات عزز مكانته فى الداخل وزاد من قوة روابطه الإفريقية. والواضح أيضاً أن ثمة خريطة جديدة يتم رسمها للقرن الإفريقى الذى مزقته الحروب والصراعات الداخلية على امتداد عقود طويلة، كان لها تأثيرها السلبى على الأوضاع فى الصومال وجنوب السودان، وصولاً إلى تشاد، وكان لها تأثيرها السلبى على أمن البحر الأحمر حيث نشطت عصابات القراصنة تهدد أمن الملاحة فى مداخل البحر الأحمر، والأمر المؤكد أن تصالح الإثيوبيين والإريتريين سوف يُعزز استقرار دول القرن الإفريقى، ويُعزز أمن البحر الأحمر، ويجعل إريتريا التى تسعى إلى تحسين علاقاتها بدول الغرب ودول العالم العربى والخليج أكثر انفتاحا وتوافقاً مع جيرانها.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع