بقلم : مكرم محمد أحمد
سألنى صديق عزيز أعرف أنه يتابع ما يجرى فى المنطقة جيداً، ماذا يكون الحال لو أن الذين يخططون ضد مصر، ويصعدون عملياتهم كلما اقتربت معركة الانتخابات الرئاسية قرروا بعد هزيمة داعش الأخيرة فى العراق وسوريا، وسقوط الرقة عاصمة الخلافة الإسلامية، أن يحشدوا كل جهودهم لكسب المعركة ضد مصر داعين ما تبقى من مقاتليهم إلى عبور البحر الأبيض والتجمع على أرض الصحراء الغربية حيث يمكن أن يجدوا ملاذات شبه آمنة فى بعض بقاع ليبيا، وثمة احتمالات قوية فى أن يجدوا العون من منظمة بوكوحرام الإرهابية التى تعمل فى شمال إفريقيا ويمتد مسرح عملياتها إلى النيجر ونيجيريا وتشاد.
وكان ردى الواضح أظن أن ذلك ما يجرى التخطيط له بالفعل منذ وقت مبكر، عندما لاحت هزيمة داعش فى الأفق قبل عام، وبدأت جماعات من التونسيين الذين انضموا إلى داعش فى سوريا والعراق فى العودة إلى ليبيا ليجعلوا منها منطلقاً لعملياتهم ضد تونس، ومن المؤكد أن هذه الظاهرة تتنامى الآن خاصة أن التقديرات الأخيرة تؤكد أن داعش فقدت أكثر من 87 فى المائة من الاراضى التى كانت تسيطر عليها فى العراق وسوريا، وأن عدد قتلاها فى معارك العراق وسوريا جاوز 60 ألف قتيل، وأن معظم المهاجرين من العراق وسوريا يتجهون جنوباً إلى الصحراء الغربية، والقليل منهم هم الذين يتجهون إلى أوروبا، رد الصديق، نعم لا أزال أذكر هذه الفترة جيدا، عندما كان النقاش يدور على أشده فى تونس والجميع يسأل، هل يمكن السماح للعائدين من ساحة القتال العراقية السورية بالدخول إلى تونس لتنفيذ مخططاتهم، خاصة أن معظمهم استقر فى منطقة قريبة من الحدود التونسية الليبية يشنون منها غاراتهم الإرهابية على المقاصد السياحية التونسية، وحتى وقت قريب كانت داعش تحكم فى العراق وسوريا ما يزيد على 8 ملايين نسمة فى مساحة من الأرض تتجاوز مساحة بلجيكا، يدفعون الضرائب والمكوث وكانت تسيطر على معظم حقول البترول والغاز فى البلدين وتجنى من وراء ذلك ثروات ضخمة شكلت جزءاً من قوتها، الآن ذهب كل ذلك أدراج الرياح وعادت داعش كما كانت فى البداية مجرد عصابات تهيم على وجهها فى الفيافى والقفار، يمكن أن تنتهى سراباً متى استعادت الدولة الوطنية فى العراق وسوريا وليبيا قوتها وتمكنت من السيطرة على أراضيها .
سألنى الصديق، إن كانت فلول داعش تتمركز الآن فى الصحراء الغربية تستهدف مصر أساساً، ويمكن أن تشكل خطراً حالاً خاصة مع استمرار عمليات داعش فى سيناء، وكأن المطلوب حصار مصر بين فكين مفترسين داعش وحسم، وكلاهما فى النهاية شىء واحد لأن أهداف حسم لا تختلف عن أهداف داعش، كلهم فى النهاية فكر واحد وأيديولوجية واحدة ومخطط واحد .
وكان ردى الواضح قد يكون ذلك صحيحاً، لكن أيا كان ما يحدث شرقاً فالإرهاب يختنق فى سيناء لا يستطيع أن يتوسع أبعد من المساحة ما بين العريش ورفح والشيخ زويد، وقد كان يساعده عاملان أساسيان، أولهما الأنفاق التى كانت تشكل بالنسبة للإرهاب أقصر طريق للهرب بعد ارتكاب جرائمه فى هذه المساحة التى لا تزيد على مائة كيلو متر مربع تفتح على منطقة من الغرود الرملية يسيطر عليها ميليشيات حماس، والمفروض أن اتفاق المصالحة الفلسطينية يسد هذا الطريق ويغلقه تماماً بالضبة والمفتاح، والعامل الثانى زحام الناس والمساكن فى منطقة خط الحدود وعدم وجود مساحة كافية من الفراغ تشكل مسرحاً للعمليات، وأظن أن اتفاق المصالحة يشكل اختباراً أخيراً لمدى قدرة حماس على الالتزام بتعهداتها تجاه الأمن المصرى التى تمثل عنصراً أساسياً فى الاتفاق .
وأكاد أُجزم أيضاً بأن وضع الإرهاب فى الصحراء الغربية ليس أحسن حالاً، ويكاد يكون من المستحيل أن يحقق أهدافه لأسباب ثلاثة أولها وجود حائط صد مصرى قوى على حدود مصر الغربية يتمثل فى جبهة قوية يخدمها قاعدة جوية تسيطر على كل المنطقة تتمثل فى قاعدة محمد نجيب وهى التى كان يجرى فيها قبل أسابيع مناورات النجم الساطع مع القوات الأمريكية وثانيها الجيش الوطنى الليبى بقيادة حفتر الذى تجاوزت مهمته الآن السيطرة على شرق ليبيا ليصبح العنصر الاساسى فى تحقيق الأمن والاستقرار فى الجنوب الليبى وصولاً إلى سرت، ثم يأتى الحزام الامنى الثالث المتمثل فى التوافق الاستراتيجى بين مصر وتونس والجزائر على سياسات أمنية واحدة تصون أمن ليبيا وتحفظ وحدة أراضيها وتحفظ أمن تونس وتصد أى محاولة تستهدف السيطرة على أى من مناطق الصحراء الغربية شمال إفريقيا التى تمثل طول الساحل الغربى ابتداء من الكيلو 135 فى طريق الواحات وصولاً إلى الجزائر والمغرب .