بقلم : مكرم محمد أحمد
بتنصيب الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في عملية تغيير إستراتيجي لنظام الخلافة في السعودية ، يعطي الأفضلية للأبناء بدلاً من الأشقاء ، ينتقل الحكم في السعودية إلي جيل جديد من الأمراء الأكثر حماساً لضرورات الإسراع بتحديث نظم الحكم والحياة بما يتوافق مع متغيرات العصر ومطالبه. دون المساس بثوابت الحكم الإسلامي وتطبيقاته الشرعية ، ويُمكن المملكة من تنويع مصادرها المالية بما يمكن الاقتصاد السعودي من الخروج من دائرة (إقتصاد الريع) وتحقيق معدلات تنمية عالية اعتماداً علي ناتجها المحلي ويزيد من فرص تحقيق مطالب فئات جديدة واسعة ، أبرزها الشباب الذين يشكلون 60 في المائة من حجم السكان والمرأة التي تشكل 20 في المائة من قوة العمل السعودية وتتطلع الآن إلي المزيد من المشاركة السياسية والإجتماعية وكسر الحواجز التي تفرض عليها عزلة غير مبررة بعد تزايد فرص تعليمها ومشاركتها في العديد من الوظائف والأعمال. وبتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وإعفاء الأمير محمد بن نايف من أولويته في هذا المنصب، وقبوله الطوعي لهذا التغيير الإستراتيجي الذي تم بسلاسة واضحة، تتوافق كل أجنحة الأسرة الحاكمة علي هذا التغيير المهم ، خاصة أن وجود محمد بن سلمان علي رأس الحكم يفتح الأبواب لمشاركة جيل جديد من الأمراء تعلم معظمهم في الخارج ويتوقون إلي التحديث والمعاصرة، وإكساب الوهابية وجهاً جديداً أكثر سماحة وإعتدالاً وتعزيز الدور المالي العالمي للسعودية ، وتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة ، والإنتقال من مرحلة الدبلوماسية الهادئة إلي سياسات نشيطة ذات مخالب وأنياب تصر علي هزيمة الحوثيين في اليمن رغم الكلفة الزائدة للحرب ، ومواجهة تدخلات إيران في منطقة الخليج والوقوف بحسم في وجه إصرار قطر علي تمويل منظمات الإرهاب وتعزيز علاقات التحالف مع مصر والإمارات المتحدة لغلق الأبواب أمام فرص انتعاش جماعة الإخوان الإرهابية ونشاطها التنظيمي المتآمر في منطقة الخليج. وما من شك أن تولي جيل جديد من الأبناء مسئولية الحكم في السعودية بعد أن تسببت ولاية الأشقاء في تقادم أعمار حكام الرياض يمثل تطوراً مهماً يساعد علي الإسراع بتحديث نظم الحكم والحياة، لكن ما من شك أيضاً في أن السعودية كرست عبر جيل الآباء فيصل وفهد وعبدالله يرحمهم الله، مجموعة من القيم والتقاليد المهمة التي ينبغي الحفاظ عليها، أهمها الحرص علي الإجماع العربي وتوثيق عري العلاقات المصرية والسعودية، وتفضيل حلول وسط تؤثر السلام علي حسم قاطع يجلب قتالاً يمكن تجنبه خاصة بين الأشقاء حرصاً علي روابط الشعوب ومصالحها، واللجوء إلي الدبلوماسية الهادئة طويلة النفس التي تتوافق مع مرجعية السعودية الدينية بدلاً من الصراع المكشوف، والفصل بين جنوح إيران الفارسي للسيطرة علي الخليج ومحاولات إشعال فتنة طائفية بين السنة والشيعة، وجميع ذلك بات يشكل جزءاً مهماً من هوية السعودية التي طبعت سياساتها الخارجية وجنبتها مخاطر التعجل، وكان يمثل أيقونتها الجميلة الأمير سعود الفيصل يرحمه الله، ولا أظن أن الحفاظ علي هذه القيم النبيلة يشكل تناقضاً مع الرغبة في المعاصرة والتحديث.