بقلم : مكرم محمد أحمد
كان يمكن لمناقشات البرلمان المصرى حول قضية تيران وصنافير أن تكون نموذجاً لعمل ديمقراطى صحيح يمكن المؤيدين والمعارضين من إبداء آرائهم فى مصير الجزيرتين دون تمييز بحيث تتكافأ الفرصة بين الجانبين فى نظام واضح يتفق عليه الجميع ، وكان يمكن دعوة الخبراء والفنيين والمتخصصين وخبراء المساحة العسكرية والمدنية لكى يقولوا آراءهم بشكل علمى موضوعى مؤيداً كان أم معارضاً ويدلون بشهاداتهم فى رصانة دون اتهامات بالتخوين أو التفريط ودون مقاطعات أو هتافات أو تصفيق أو عويل ، وكان يمكن تشكيل لجنة تحضيرية مشتركة من المعارضين والمؤيدين تعمل على توفير كل الخرائط الجغرافية حصراً وهو أمر ممكن وميسور كما تعمل على توفير جميع الوثائق والرسائل المتبادلة بين مصر والسعودية حول القضية ، ابتداء من رسالة الملك عبد العزيز إلى الملك فاروق يطالبه باحتلال الجزيرتين وتولى مسئولية حمايتهما بعد أن احتلت إسرائيل منطقة أم الرشراش وبنت عليها مدينة إيلات ، إلى رسائل وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الشفهية والكتابية إلى وزير الخارجية المصرى عصمت عبد المجيد قبل 26 عاماً ، وكان يمكن نقل هذه المناقشات إلى الجمهور المصرى على الهواء مباشرة لكى يتابعها أهل مصر أصحاب القضية ، بما يقدم نموذجاً مشرفاً لمناقشات حرة وصريحة تلتزم أدب الحوار وشجاعة الرأى وحق الاستماع إلى الرأى والرأى الآخر دون صخب أو شغب يفسد المناخ. لكن ذلك لم يحدث مع الأسف وسادت المناقشات الفوضى والزيطة والزمبليطة فى مناخ غير صحى تقاذف فيه الجميع كلمات الاتهام والهتاف بالشعارات تطلق فى غير مناسبة وقطع الحديث على المتحدثين فى صورة مؤلمة ضيعت هيبة المنصة ، وأظهرت نواب المجلس فى أوضاع غير لائقة وجعلت الرأى العام المصرى فى حالة تخبط ، لا يعرف أين الحقيقة وكيف الوصول إليها فى هذا المعترك الفوضوى ووسط التصايح والنواح والتلويح بالأيدى والاتهامات بالخيانة والتفريط. ولا أعرف إن كان فى الإمكان إعادة الانضباط إلى جلسات المجلس وفق قواعد حاكمة يلتزم بها الجميع ، أولها تكافؤ الفرص بين المؤيدين والمعارضين ، وثانيها الاستماع إلى آراء الخبراء والفنيين من الجانبين وتنظيم المداخلات بين المعارضين منهم والمؤيدين بما يفند الحجج ويزيدها وضوحاً ويفيد المتابعين للحوار ، وثالثهما التوافق على توفير كل الخرائط المتعلقة بالموضوع على سبيل الحصر وجميع المراسلات بين مصر والسعودية حول الجزيرتين.
ومع الأسف فإن الصخب السياسى الذى مارسه البعض فوت على الشعب المصرى فرصة التعرف على حقائق القضية والاستماع إلى الرأى والرأى الآخر ، كما فوت البرلمان المصرى على نفسه حقه فى أن يكون موضع احترام المصريين وأن يمارس الديمقراطية الصحيحة فى قضية مهمة يود الجميع معرفة أبعادها، وضيع على النواب فرصة تعزيز حق الاختلاف والحق فى وجود الرأى والرأى الآخر، والكاسب الوحيد من هذه المشاهد الهزلية هو الفوضى والرغبة فى الكيد على حساب الحقيقة.