بقلم : مكرم محمد أحمد
أكاد أجزم أن مؤتمر شباب العالم، الذى انعقد فى شرم الشيخ لأول مرة سوف يصبح فى غضون فترة زمنية وجيزة, ربما لا تتجاوز سنوات محدودة واحداً من أهم المؤسسات والمنتديات تأثيراً على مستقبل العالم ومصيره، وأظن أنه سوف يصبح قوة ضغط وإصلاح هائلة, تحمل صوت شباب العالم إلى الحكومات والدول وصناع السياسة وأصحاب القرار والمنظمات الأممية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لأن العالم فضلاً عن انه تحول بالفعل إلى قرية مترابطة صغيرة لم يعد يستطيع أن يتجاهل صوت شبابه، الذى يشكل الآن غالبيته ويعانون المشكلات نفسها رغم بعد المسافات, الإرهاب والعنف, وتزايد البطالة التى يعانى منها 75 مليون شاب على مستوى العالم, وقلة فرص العمل, والنمو السكانى غير المتوازن الذى يأكل أولاً بأول ثمار التنمية، وضعف الموارد الذى لا يفى بحاجات التنمية المستدامة، خاصة التعليم والتدريب الجيد فى ظل ارتفاع تكاليف فرصة العمل الواحدة إلى ما يزيد على 100 ألف جنيه, كما يعانون من كثرة الحروب الأهلية والطائفية والعرقية، التى تدفع نسباً متزايدة من الشباب خاصة فى افريقيا إلى الهجرة غير الشرعية, حيث يموت جوعاً أو غرقاً عبر الفيافي والبحار الاف الشباب الذين يغادرون بلادهم هربا من الفقر والحروب. فضلاً عن النفاق السياسى والمعايير المزدوجة, التى تفاقم خطرها على عالمنا بسبب إجتراء البعض على تشجيع الإرهاب وتمويله وتسليحه كى يصبحوا أكثر تأثيراً, ومع الأسف فإن ما يغذى الدوافع الشريرة لهذا البعض من الدول مثل قطر نفاق ساسة العالم ومعاييرهم المزدوجة, التى تعطى لهؤلاء فرص الإفلات من العقاب الدولى رغم أنهم ضبطوا متلبسين بتمويل جماعات الإرهاب إلى حد وصفهم بالممولين التاريخيين للإرهاب!
والواضح لشباب العالم الذى أحسن التعبير عن نفسه فى مؤتمر شرم الشيخ أن المشكلة لم تكن أبداً في جوهرها صراع حضارات, فالحضارات تتقاطع وربما تتصادم بعض الوقت بتصادم مصالح شعوبها، لكنها لا يمكن أن تتوطن وتستقر ويتراكم أثرها دون أن تتعايش وتتلاقح ويتعلم بعضها من بعض , وتراكم خلال مسيرتها إنجازات تثرى مسيرة الإنسانية, وما يشهده العالم الآن بعد موجة الإرهاب التى طالت الجميع وعشعشت فى الشرق الأوسط، وأقامت على أرض العراق وسوريا دولة فى حجم بريطانيا تملك جيوشاً وقواعد عسكرية وحقول بترول وغاز، سكانها يزيدون على 8 ملايين نسمة يعملون تحت إرهاب داعش، ويدفعون المكوس والضرائب، وتستباح زوجاتهم وبناتهم كما حكت الفتاة اليزيدية التى خطفوها فى جبل سنجار وجاءت من العراق إلى شرم الشيخ كى تحكى روايتها.
وما من شك أننا على حافة مرحلة تصحيح جديدة سوف يكون مؤتمر شرم الشيخ واحدة من علاماتها المهمة، تطالب بإنهاء الإرهاب والعنف والكراهية وإجتثاث جذورها، لأن الإرهاب دمر دولاً ومدناً بأكملها وأفقر شعوباً تريد الحياة، وبات واضحاً لكل المجتمع الدولى أن أول شروط هزيمة الإرهاب تكاتف الجميع دون نفاق سياسى يعطى للبعض فرصة الإفلات من عقاب مستحق، كما بات واضحاً للجميع أن تكاتف المجتمع الدولى بات ضرورة لا غنى عنها للقضاء على العوز والفقر وهما شرطان مهمان لتضييق الخناق على الإرهاب، والأمر المؤكد أن الحقوق المتساوية لجميع المواطنين بصرف النظر عن الجنس واللون والدين يزيد تكاتف الأوطان وترابطها ويشحذ همم الجميع على المزيد من التقدم وحفظ سلام المجتمعات وأمنها .
لقد تأكد للجميع فى مؤتمر شرم الشيخ أن شباب العالم يمكن أن يوحد مشاعره ومواقفه الغضب من واقع سياسى يتردى إلى مستنقع النقعية والنفاق والمصالح الصغيرة، كما يوحد مشاعره ومواقفه لحن موسيقى جميل أو أغنية عذبة تحسن خطاب وجدانه بما يعنى أننا إزاء دعاة جدد لثورة ثقافية جديدة يمكن أن تغير قيم عالمنا وأولوياته إلى الأفضل والأكثر أمناً واستقرارا.