بقلم : مكرم محمد أحمد
إن كان هدف الإثيوبيين من طول المماطلة بينما يتسارع بناء سد النهضة أن يفرضوا أمراً واقعاً يلزم المصريين قبوله، فإن الرسالة المهمة التى ينبغى أن تصل إلى أديس أبابا واضحة دون لبس، إن مصر لن تقبل الأمر الواقع ولن تمتثل لشروطه مهما تكن النتائج، لأن الأمر الواقع يضر بمصالحها وأمنها المائى ويهدد وجودها وحياة أهلها ودورها الحضارى، ولا تحتمل مصر وقد بلغ عدد سكانها ما يربو على مائة مليون نسمة المساس بحصتها المائية التى لا تربو على 55 مليار متر مكعب المقننة لها منذ عشرات السنوات، وأظن أن الإثيوبيين يدركون جيداً أن مصر لن تقبل أن يموت أهلها عطشاً أو تبور أرضها لانتقاص حقوقها المائية المشروعة، وأظن أيضاً أن مصر سوف ترفض بإصرار أية محاولة لشراء حقها فى مياه نهر النيل التى نعيش عليها منذ الأزل لأن المياه مياه الله ولا مورد مائياً لمصر سوى مياه نهر النيل، أما الحبشة فمصادر مياهها من الأمطار وفيرة تغنيها عن مياه النيل، وحقها فى توليد الكهرباء محفوظ لا اعتراض لمصر عليه شريطة عدم الإضرار بمصالح مصر المائية .
وإذا كان رئيس وزراء إثيوبيا هيلاماريام ديسالين يؤكد عزم بلاده على إستكمال سد النهضة فى الوقت المحدد خلال زيارته الأخيرة لقطر فهذا شأنه، لكن على رئيس وزراء إثيوبيا أن يعرف أن حقوق مصر لن تضيع، وأن توقيع إثيوبيا على التقرير الأول الذى أعده المكتب الاستشارى الفرنسى بشأن الآثار السلبية لبناء السد على مصر أمر ضرورى إثباتاً لحسن النيات وأن مصر لا تريد أكثر من حقها المشروع فى أمنها المائى، وأنها قادرة على أن تدافع عن حقوقها المائية، تستخدم فى ذلك كل الإمكانات المتاحة وهى كثيرة، لأن مصر قدرة وتصميماً وعزماً أفضل كثيراً عما كان عليه يوم أن بدأت إثيوبيا مشروعها لبناء سد النهضة على وهم بأن مصر يمكن أن تمتثل للأمر الواقع، والأمر المؤكد أن تصريحات وزير الخارجية المصرى سامح شكرى التى أكد فيها أن الوضع الحالى لمفاوضات سد النهضة مثير لقلق مصر لأن الأمن المائى عنصر رئيسى من الأمن القومى المصرى لا يمكن المساس به، وأن مصر لم تكن تتوقع أن تطول المماطلة حول الدراسات الفنية التى أجراها المكتبان الفرنسيان عن آثار سد النهضة السلبية على دولتى المصب سوف تطول إلى هذا الحد وسوف تؤخر الاتفاق على تحديد كيفية ملء خزان السد والمدى الزمنى الرشيد المطلوب لملء الخزان، ومع الأسف جاءت النتيجة عكس كل التوقعات .
والواضح رغم صعوبة الوضع الراهن أن مصر ترى فى وقفتها الأخيرة مع الصديق الإثيوبى ضرورة العودة إلى القيادة السياسية فى البلدين لمراجعة أخيرة للمواقف مع تمسكها والتزامها بإتفاق الإطار الثلاثى الذى وقعته السودان ومصر وإثيوبيا وبقية دول حوض النيل، واحترام القانون الدولى فيما يتعلق بالأنهار الدولية كما ترى أن التعديلات التى تطلبها إثيوبيا والسودان تتجاوز المرجعيات الأساسية المتفق عليها، وأن إعادة تفسير الأحكام الأساسية والمحورية بطريقة تؤثر على نتائج الدراسات الفنية، تفرغ مهمة المكتب الفرنسى من مضمونها الحقيقى ولهذا السبب توقفت جميع المباحثات الفنية بين الدول الثلاث يوم الإثنين الماضى انتظاراً لاجتماع رئيس الوزراء الاثيوبى دسالين والرئيس عبدالفتاح السيسى، وأظن أن رحلة دسالين الأخيرة لقطر سواء لمحاولة سد العجز فى تمويل سد النهضة أو إقامة تحالف عسكرى يربط قطر وإثيوبيا لتخويف مصر لا يغير من موقف مصر شيئاً ولا ينتقص المشروع فى الدفاع عن مصالحها المائية بكل ما تملك من سبل، لكن رحلة دسالين إلى قطر تشير إلى موقف عدائى مسبق من إثيوبيا يكفى لإقناع مصر بأن التفاوض المباشر مع إثيوبيا لن يحقق الهدف المشترك، ولن يجعل مستقبل التفاوض أحسن حالاً، وعلى مصر منذ الآن أن تدرس بدائلها المتاحة بما فى ذلك حقها فى الدفاع المشروع عن مصالحها المصيرية والإستراتيجية، وبينها حق الدفاع عن وجودها كى لا يموت المصريون عطشاً وجوعاً أو تبور أراضيهم بسبب الجفاف.
والأمر المؤكد أن الرئيس السيسى سوف يكون كما كان دائماً واضحاً ومباشراً فى مباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبى يضع النقاط على الحروف مؤكداً أن القضية أصبحت قضية حياة أو موت لا مجال فيها للمداهنات أو الكلمات المنمقة.
وما ينبغى أن يدركه رئيس الوزراء الإثيوبى فى اجتماعه المقبل مع السيسى أن مصر جاهزة بحلول بديلة تمكنها من إستعادة حقوقها، وأن تحالف إثيوبيا مع قطر لن يغير شيئاً من الموقف المصرى بل يزيده حذراً، وأن مماطلة إثيوبيا وتلاعبها لم يدع لمصر طريقاً آخر سوى أن تبحث عن بدائل أخرى لن تفصح مصر عن جميعها الآن، بينها باليقين العودة إلى حكماء أفريقيا ومجلس الأمن وكافة المؤسسات الدولية المعنية إضافة إلى أى إجراء آخر يمكنها من استعادة حقوقها التاريخية والمشروعة.