بقلم مكرم محمد أحمد
لسنا جماعة فاشية لكى نقبل باسم الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين هذه القرارات غير الصحيحة، التى صدرت عن اجتماع عدد من الصحفيين لم يصل إلى حدود ربع النصاب القانونى لجمعية عمومية يزيد عدد أعضائها على أكثر من تسعة آلاف عضو، كى نسود الصفحات ونخاصم الدولة، ونعاقب مسئولين كل جريرتهم أنهم نفذوا صحيح القانون، ونتجاوز حدود سلطاتنا كدعاة مهمتنا أن نٌخبر ونُعلم ونُنير، لننصب أنفسنا قضاة، نفرض وصايتنا وأحكامنا على الجميع، ونعتقد أن من حقنا أن ندين الآخرين بقرارات باتة لانقض فيها ولا إبرام، تفتقد العدل والتوازن.
ولسنا أيضا جماعة فوضوية تفتقد الرشد ولا تعرف كيف تحتكم إلى العقل كى تقبل هذا الخلط الفادح فى القضايا والأوراق، لان جوهر المشكلة التى من أجلها قامت الدنيا ولم تقعد، كما أن زميلين أحدهما غير عضو فى نقابة الصحفيين اعتصما داخل النقابة بموافقة النقيب وعلم مجلس النقابة، مع أنهما مطلوبان للنيابة العامة فى قضية وقعت أحداثها فى شبرا الخيمة، بين وقائعها شبهة التحريض واستخدام السلاح فضلا عما هما منشور على مواقع الزميلين الالكترونية من جرائم السب والقذف.. ولو أننا إزاء قضية عدوان على حرية الرأى والتعبير تهدد حرية الصحافة لان مجموعة من الكتاب محرومون من حق الكتابة، أو لان صحيفة وطنية تمت مصادرتها بقرار إداري، إلى أخر هذه الأسباب التى عرفناها طوال عهود سابقة، لوجب علينا ان نغضب وننتفض ونشق عصا الطاعة لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
ولسنا أيضا مجرد قطيع يملكه مجلس نقابة الصحفيين، واجبنا أن نلتزم تنفيذ قرارات صدرت عن هذا الاجتماع تفتقد العقلانية والواقعية والرشد، وتفتقد اللياقة وأدب الحوار عندما تطلب من رئيس الجمهورية ان يعتذر عن شئ لم يفعله وربما لم يعرفه، ونصدر إنذارات عنترية بمهلة تنفيذ لمطالبنا لا تتجاوز أسبوعا وكأننا فى حالة حرب وليس فى حالة حوار أو نقاش.
لسنا مجرد قطيع ننفذ قرارات اغلبها خاطئ صدرت باسم جمعية عمومية لم تنعقد، وإنما نحن ذوات أحرار من حقنا أن نقبل هذه القرارات أو نرفضها، ولعلنى لا أبالغ إذا قلت أن أغلب المجموع الصحفى يرفض هذه القرارات جملة وتفصيلا، وربما يكون من واجبنا أن نسائل هؤلاء الذين أوقعوا نقابتنا فى هذا المأزق، وشقوا صفوفنا على هذا النحو المخجل، ولم يتعاملوا مع الموقف بشفافية كاملة!، وأصدروا بيانات غير صحيحة لا تكشف لنا حقيقة ما حدث، ولم يقدموا حتى اللحظة اى رد شاف وصحيح على بيان النائب العام الذى أكد انه لم يكن هناك واقعة اقتحام للنقابة، وان ما جرى يتوافق بالكامل مع صحيح القانون!
والأخطر من ذلك، أنهم أساءوا التفويض النقابى الذى منحناه لهم فى انتخابات حرة بهدف الارتقاء بالمهنة والدفاع عن حقوق الصحفيين فى الكتابة والنشر، والحفاظ على مصالحهم الاقتصادية، وتوسيع خدمات الإسكان والصحة للأعضاء.. ومع الأسف ضيع مجلس النقابة الراهن الكثير من الخدمات على أعضائها.. وأظن أن من حقنا أن نسألهم، ماذا حدث فى مدينة إسكان الصحفيين فى حدائق أكتوبر وقد تسلموا الأرض والرسومات التنفيذية والاتفاق مع شركة المقاولات المنوط بها تنفيذ المشروع لكنهم بددوا جميع ذلك، ردوا الجزء الأكبر من الأرض لوزارة الإسكان دون أن يخطروا الأعضاء المستفيدين من المشروع، كما بددوا ارض النقابة على طريق السويس التى تقدر قيمتها بالمليارات، وسلموها إلى شركة مصر الجديدة فى اتفاق غير معلن تكتموا على تفاصيله.
والأكثر مدعاة للأسف أنهم تجاوزوا حدود التفويض النقابى لينصبوا أنفسهم ممثلين سياسيين عن الجماعة الصحفية، يتصرفون فى حقوقنا السياسية دون أى سند قانونى أو شرعي.. ولكى تتم المداراة عن كل هذه الأخطاء صنعوا من الحبة قبة، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لمجرد ان النيابة العامة طلبت إلا تكون نقابة الصحفيين ملاذا لزميلين أصدرت النيابة بحقهما قرارا بالضبط والإحضار فى قضية مهمة تتعلق بأمن الدولة.
وبصراحة شديدة فان أصل الداء يكمن فى انفراد تيار سياسى بعينه بأمور النقابة، يدير النقابة وكأنها حزب سياسي، يوزع المكاسب والمغانم على أنصاره دون الآخرين، رغم أن أول شروط العمل النقابى الصحيح أن تخلع رداءك الحزبى فى رحاب النقابة لان النقابة دار الجميع، مسئوليتها أن تحمى حقوق أفرادها الاقتصادية وتحافظ على كرامة المهنة وكرامة الصحفيين، وترقى بفنون المهنة وأساليبها وأدواتها، وتغيث المظلوم والملهوف بصرف النظر عن لونه وعقيدته.. وغالبا ما يفسد العمل النقابى وتتمزق النقابة شيعا وشللا إن خالط عملها الانتماء الحزبى والسياسي، وأظن انه ما من سبب واضح لهذا الانقسام الذى تعانيه الجماعة الصحفية الآن سوى أن القائمين على أمر النقابة زجوا بها فى معترك السياسة، وصنفوها إلى يسار ويمين وموالين ومعارضين، وبدلا من ان يتصدر العمل النقابى نقابيون يحافظون على وحدة النقابة تصدر العمل نشطاء سياسيون ومحرضون ديماجوجيون زرعوا الفتنة داخل نقابتهم.
إننى لا أعفى الأمن والداخلية المصرية من مسئوليتها عن حالة التوتر التى تعيشها الجماعة الصحفية منذ يوم 25أبريل الماضي، عندما حاصرت قوات الأمن مبنى النقابة دون أى مسوغات قانونية أو أمنية تبرر هذا الحصار، خاصة أن الجميع كان يعرف أن الحشود الضخمة التى وعد بها تحالف جماعة الإخوان المسلمين والاشتراكيين الثوريين وانصار6أبريل لم تتحقق، وان الذين خرجوا للتظاهر كانوا أعدادا جد هزيلة لا يشكلون أى خطر حقيقي، ومع ذلك استمرت حالة حصار النقابة، وواصل الأمن سؤال كل من يقصد نقابة الصحفيين وكأنه يرتكب مخالفة أو جريمة أو يقصد مكانا محرما، ومع الأسف فان حالة الترصد المسبق لمبنى النقابة قد تحولت إلى نوع من الترصد لأعداد غير قليلة من الصحفيين بما اضر العلاقة بين الأمن والصحافة وأدى إلى توترها.
ولا أظن أن استمرار هذه الحالة يخدم الأمن أو يخدم الصحافة، على العكس يضر بصالح الاثنين كما يضر بصالح الدولة، لان النقابة مهما بلغ شطط بعض أفرادها هى مؤسسة من مؤسسات الدولة التى هى الأرض والشعب ونظام الحكم واجبها أن تحترم القانون، وكذلك الأمن المنوط بتنفيذ القانون فى حياد ومهنية ودون ترصد مسبق، ويدخل ضمن مسئولية الطرفين، الأمن والصحافة، الوقف الفورى لحالة التصعيد المتبادل التى ينظر إليها المصريون باستهجان بالغ خاصة أن مصر لا تحتمل فى هذه الظروف الصعبة مثل هذه التصرفات غير المسئولة، كما يدخل ضمن مسئولياتهما ضرورة الالتزام بأحكام القانون لأن أى منهما،الصحافة والأمن، لا يحمل ريشة على رأسه..
وإذا كنا نطالب مجلس نقابة الصحفيين بمراجعة أسباب الاعتصام بما يحول دون أن تتحول النقابة إلى ملاذ امن لكل من يريد أن يتهرب من حكم القانون، فإننا نطالب الأمن برفع حصاره عن النقابة وتأكيد احترامه لنقابة الصحفيين والتزامه بالحفاظ على امن الصحفيين والمراعاة الكاملة لكل القوانين والقواعد التى تنظم عمليات الاستدعاء والضبط والإحضار، وإذا كان أملنا جميعا أن تصبح مصر دولة قانونية مهابة يتسيد فيها القانون، لا شبه دولة تتصرف فيها كل مؤسسة وفق ما تراه فى صالحها، يصبح من مسئولية الأمن والصحافة إنهاء هذه الأزمة بصورة عاجلة والالتزام بأحكام الدستور والقانون.