بقلم - مكرم محمد أحمد
فى حياة جماعة الإخوان ثقب واسع أسود يمثل عارهم التاريخى الذين يحبون نسيانه، عندما تحالفوا مع صدام حسين متصورين خطأ أن السفيرة الأمريكية فى العراق قد أعطت له الضوء الأخضر كى يغزو الكويت، وأن الولايات المتحدة قد نفضت يدها من السعودية والخليج، وهرع الجميع إلى بغداد يباركون لصدام زعامة العالم العربي، وكان فى المقدمة مع الأسف وفد جماعة الإخوان الذى رأسه الابن الأكبر لمؤسس الجماعة حسن البنا الذى ذهب إلى بغداد والتقى صدام حسين، والتقط الصور التذكارية معه، ومع الأسف وقع فى الخطأ نفسه عدد من الرؤساء العرب، لكن مصيبة الجماعة كانت الأكبر والأشد خطيئة لأن جماعة الإخوان لم تذرف دمعة واحدة على علاقاتها التاريخية مع السعودية، وسرعان ما عضت اليد التى قدمت لها العون والمساعدة منذ أزمتها الشهيرة مع عبدالناصر إثر أحداث 54، عندما انقلبت عليه الجماعة لأنه رفض وصايتهم على تنظيم الضباط الأحرار, وقطع كل علاقاتهم بثورة يوليو وحاولوا اغتياله فى حادث المنشية فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
خانت جماعة الإخوان السعودية بدم بارد ونقلت ولاءها إلى بغداد، لا تستحى من أن تعض اليد التى عاونتها وقت الشدة والأزمات، وقد كانت السعودية بالنسبة للجماعة منذ أحداث 1954 هى الملجأ والملاذ، وفى السعودية نما نفوذ الجماعة ونمت ثرواتها، وأصبح كبار الجماعة من كبار الماليين فى العالم العربى، ومن أصحاب الشركات الكبرى والمقاولات وفتحت لهم السعودية الأبواب على مصاريعها حتى احتكروا حقل التعليم الخاص فى المملكة، واستطاعوا أن يسيطروا على جميع فروع وجمعيات الروابط الإسلامية فى العالم أجمع التى تمثل أهم أدوات السعودية للتعبير عن نفوذها ومرجعيتها الدينية فى العالم.
ومنذ وكسة صدام حسين وفشل مشروعه فى غزو العراق وجماعة الإخوان تعيش على هامش الأحداث, همها الأكبر أن يفتح لها نظام الرئيس حسنى مبارك فرصة الحوار مع نظامه لكن حسنى مبارك كان يسد عليها كل الطرق لأنه كان يعرف جيداً أن الجماعة تشكل خطراً حقيقياً على مصر، لأنها تستهدف تقويض مصر من الداخل، وظل على حذره البالغ منها يراها الأخطر على مصر من الجماعات الإسلامية التى نمت فى عهد الرئيس السادات، ومارست صورا عديدة من العنف, تسرق محال الذهب وتقتل السياح وتأخذ الأقباط رهائن هدفها إضعاف الدولة على حينها تنتظر جماعة الاخوان فرصتها المواتية فى الظل تلح على فتح الحوار مع نظام مبارك, وربما كان ذلك من أسباب حذر الجماعة فى البداية من أن تكون جزءاً من أحداث ثورة يناير التى اسهمت فيها متأخرا بعد طول تردد، إلى أن وجدت أن القطار سوف يفوتها فسارعت إلى ركوب موجة ثورة يناير!، وكانت الأشد عنفاً عندما استثمرت نزول الأهالى إلى ميدان التحرير لإنقاذ أولادهم المتظاهرين فى الميدان من هجمة الجمل الخائبة، فأخذت تحرق وتدمر ابتداء من مبنى الحزب الوطنى الى اقسام الشرطة و المحاكم إلى أن نجحت فى ركوب موجة العنف وصارت لها اليد العليا خاصة أن شباب الميدان انقسموا إلى ألف جماعة وجماعة.
والآن تدعى الجماعة التى خانت كل العهود فى بيان رسمى صدر أخيرا بعد طول صمت أنها تعود إلى النهج السلمي! فهل تتصور الجماعة أن أحدا يمكن أن يصدقها أو يأمن لها بعد كل هذا التاريخ وبعد كل الذى فعلته فى مصر خلال عام واحد من حكمها، وبعد جرائمها النكراء وتحالفها مع جماعات الإرهاب الذى اعلنه جهرا محمد البلتاجى وهو يطالب بالإفراج عن مرسى وبعد تهديداتها المتواصلة لأمن مصر والمصريين، وبعد الذى فعلته مع القوات المسلحة المصرية التى حمت مصر من شرورها.
لقد خبر المصريون جماعة الإخوان منذ أربعينيات القرن الماضي, ومنذ هذا التاريخ وهم يعرفون أن فكرة التنظيم السرى للجماعة كانت بهدف إباحة القتل والسطو على أموال الغير وأموال الدولة واحتجاز الأقباط رهائن لاضعاف الإنتماء الى الدولة، وإقامة دولتهم بحد السيف، خاصة أن مصرفى عرف الجماعة وفى عرف قطبيها لم تكن أبداً دار سلام بل دار حرب يباح فيها دماء المصريين وأموالهم، لأن حسن البنا وسيد قطب وأتباعهما كانوا يرونها دائماً دولة جاهلة كافرة تقوم على حاكمية البشر للبشر يتحتم اعتزالها وحربها، ومع الأسف لم نسمع على طول تاريخ الجماعة أى مراجعة لأى من هذه الأفكار الفاسدة التى نشرت العنف والإرهاب وسممت العقل العربي, واتهمت أكثر المجتمعات تديناً بالكفر, وحولت الإنسان المصرى إلى أداة قتل وتدمير وخيانة ، بدلاً من أن يصنع العمران ويبنى الحضارات ويتبادل المنافع والمصالح مع أخيه الإنسان.
نقلا عن الاهرام القاهرية