بقلم مكرم محمد أحمد
من كل الحوادث والاحداث التي مرت علي مصر أخيرا في تحد سافر لارادتها السياسية، لم يضرب اي من هذه الاحداث مصداقية الحكم مثل حادث تسريب اسئلة الثانوية العامة، الذي يكاد يغلق في وجه كثيرين ابواب الامل في الاصلاح والتغيير، ليكرس سطوة وفساد الامر الواقع، ويشعر المصريين بانهم محاصرون في شبكة شر محكمة يمكن ان تصل يدها إلي اي موقع في مصر مهما يكن حصينا!..،ومع الاسف فلقد كانت ردود افعال حكومتنا السنية باهتة وضعيفة!، عندما اعترفت بتسريب امتحان التربية الدينية وآثرت الصمت علي تسريب امتحان اللغة العربية!، وعندما ابقت علي الوزير وهيئة كبار معاونيه في مناصبهم واوكلت اليهم تدبير خطط امتحانات العام القادم!، بدلا من اقالتهم لانهم ودون غيرهم المسئولون بصورة مباشرة عن ضمان نزاهة الامتحانات وسريتها!.
وبرغم الشكوك التي تساور كثيرين وتحوم حول فلول جماعة الاخوان المسلمين في وزارة التربية وهم كثر، يظل الامر مجرد شبهات ينقصها ادلة الثبوت القطعية، وان كانت جماعة الاخوان هي المستفيد الاكبر من نتائج هذا التسريب الذي يستهدف تقويض الثقة بالحكم واثارة المزيد من البلبلة والفوضي.
ان الحفاظ علي سرية الامتحانات العامة ليس معضلة ضخمة تعجز مصر عن ترتيبها، خاصة ان اعداد الذين يشاركون في العملية بضع مئات، لكن انحياز شرائح واسعة من المجتمع المصري إلي عمليات الغش بدعوي الحرص علي مستقبل الابناء هو أس الفساد وجوهر المشكلة، يؤكد لنا ان الفساد يتجاوز نظام الامتحانات الراهن الذي يقوم علي اختبار قدرة الطالب علي الحفظ والاستظهار وليس التفكير والبحث والابتكار، وان اصل الفساد ومنبعه يكمن في النظام التعليمي ذاته الذي لم يعد موجودا باختفاء المدرسة، وتفرغ المدرسين للكسب الحرام بعد ان اهملوا واجبهم التعليمي، الامر الذي يحتاج إلي ثورة شاملة في النظام التعليمي تتطلب قرارات حاسمة شجاعة وفهما عميقا لاحتياجات مصر الحقيقية، وقدرة متزايدة علي حسن استثمار مواردها البشرية، واعلاء قيمة الفنيين الذين نعاني من نقص فادح في وجودهم احدث خللا جسيما في هيكل العمالة المصرية!، وما من شك ان عمليات تسريب امتحانات الثانوية العامة علي مدي سنوات متتالية رغم اجراءات الامن والاحتياطات المتزايدة يؤكد لنا ان المطلوب الان تغيير شامل لنظم التعليم وليس ترقيعه قبل ان يتسع الخرق علي الراتق ونعايش مجتمعا جديدا ينهض علي الغش والجهل وسيطرة القوة وغياب تكافؤ الفرص.