مكرم محمد أحمد
لعل أخطر ما أظهرته الأزمة الإيرانية الأخيرة هو عجز النظام الإيرانى الفادح عن الوفاء بالحد الأدنى لاحتياجات فئات عديدة من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة وشرائح مختلفة من المجتمع أهمها المرأة والشباب، بسبب الإنفاق المالى والعسكرى المهول على تصدير الثورة إلى الخارج، ودعم طهران اللا محدود لأذرعها العسكرية فى الخارج خاصة حزب الله اللبنانى الذى تصل موازنته إلى أكثر من مليار دولار تدفعها نقداً وعداً الخزانة الإيرانية لتمويل عمليات الحزب فى سوريا التى ينهض بها 8 آلاف من مقاتليه يحاربون خارج الأرض اللبنانية، فضلاً عن إنفاق الحزب الضخم داخل الجنوب اللبناني، ويزيد على ذلك المساعدات الضخمة للحوثيين فى اليمن التى تشمل صواريخ سكود الإيرانية الصنع التى يتم إطلاقها على الرياض دون أن تنتج أثراً، لأن صواريخ الدفاع السعودية تسقطها أرضاً قبل أن تصل إلى أهدافها، فإذا أضفنا إلى كل ذلك إنفاق قوات الحرس الثورى الإيرانى التى تحارب فى سوريا تحت قيادة الجنرال سليمانى لأدركنا حجم الإنفاق المهول الذى تدفعه طهران حفاظاً على تصدير الثورة على حساب الشعب الإيراني، الذى يعانى ذل الحاجة ونقص الحريات الشخصية والاجتماعية وفساد طبقة الحكم وحوزة آيات الله وأعوانهم. والواضح من حجم التظاهرات التى شملت معظم المدن الإيرانية واستمرت ثمانية أيام، رفع المتظاهرون خلالها شعارات، الموت للديكتاتور خامنئى وهتفوا بسقوط حزب الله اللبناني، ولا لغزة أو لبنان، أن نسبة كبيرة من الشعب الإيرانى لا توافق على سياسات حكومتها، وأن الصراع الذى يدور فى إيران الآن، لم يعد صراع المحافظين والإصلاحيين فقط الذى يطالب الشعب الإيرانى بإسقاطهما معاً لعجزهما عن تحسين أحوال المواطن الإيراني، رغم الإفراج عن بلايين الدولارات المجمدة فى بنوك أوروبا وأمريكا ورغم رفع الحظر عن تصدير البترول الإيرانى إلى الخارج، وأن إيران تشهد الآن صراعات داخلية عديدة يعبر عنها الآن الرأى العام الإيرانى تتجسد فى بعض المسافات المتزايدة بين فئات الشعب المختلفة والحوزة الحاكمة محافظين وإصلاحيين إلى حد الهتاف لسقوط حكم آيات الله والترحم على أيام حكم الشاه. لقد كان الظن السائد قبل المظاهرات الأخيرة أن إيران لن تهزم من داخلها وأنها مثل الصخرة القوية غير قابلة للكسر، لكن تظاهرات الأيام الثمانية أكدت أنها ليست بهذه القوة والمكانة، وأن الخيار الوحيد أمام الحكم، إما أن يمتثل لضغوط جماهير الشارع الإيرانى ويوقف سفه الإنفاق على تصدير الثورة ومعارك آيات الله الخارجية من حلب شمال سوريا إلى جرف الصخر جنوب بغداد، فضلاً عن حجم الإنفاق الباهظ على خوض حروب المنطقة فى اليمن وسوريا ولبنان والعراق من أجل الوفاء بالحد الأدنى لمطالب شعبه، وإما أن يصدق كذبه ويعتقد بالفعل أن كل ما يحدث هو من عمل أعداء الثورة فى الخارج خاصة الإيرانيين فى الخارج أو أجهزة الولايات المتحدة وإسرائيل، ويكشف القلق العميق الذى يساور حلفاء النظام الإيرانى حجم الخطر الذى يتربص إيران فى الحالتين، لأن ضمور أذرعة إيران العسكرية فى الخارج يعنى تقليص نفوذها وقوتها ومكانتها خاصة مع عجز قدرتها المالية عن الوفاء بالمطلبين معاً، وفى خطابه الأخير حاول حسن نصر الله أمين عام حزب الله أن يطمئن جمهوره إلى أن الشعب الإيرانى سوف يعوض عجز حكومته، لكن شعارات المحتجين فى شوارع المدن الإيرانية تكذب ذلك بهتافاتها المتواصلة ضد حزب الله.
ويعتقد فلاديمير ساجين كبير الباحثين العلميين فى معهد الاستشراق الروسى أن النشاطات الإيرانية فى العراق وسوريا واليمن ولبنان الباهظة التكلفة عرقلت خطط حسن روحانى للإصلاح وأن استياء واسع النطاق ومثيرا للقلق يجتاح فئات واسعة من الشعب، وأن الصدمة المفاجئة للحكم سوف تحدث تغييراً فى سلم الأولويات بحيث تصبح الأولوية لا محالة للوضع الداخلى فى إيران على تصدير الثورة للخارج وأن حزب الله سوف يدفع ثمن هذا التحول خاصة أن مهام الحزب تجاوزت حدود لبنان ورغم انخراط الحزب فى أنشطة غير مشروعة وارتباطه بمافيا المخدرات فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية فإن الأموال الإيرانية تشكل الجزء الأهم من دخله، وأن ميزانية الحزب ورواتب عناصره وقياداته وسلاحه وعتاده يأتى من إيران، خاصة أن الحزب يتعرض لعقوبات أمريكية شديدة تطول منظومته المالية وشبكاته فى العالم بما جعله فى الآونة الأخيرة أكثر اعتماداً على إيران.
وبرغم تصريحات قادة إيران المتفائلة بقرب نهاية الاحتجاجات فإن التقارير تشير إلى أن الاحتجاجات لاتزال مستمرة، حيث شملت مدن كرج قرب طهران وهمدان ونوشهر نورباد، كما تستعر المظاهرات ليلاً فى عشرات المدن وسط اشتباكات عنيفة، وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إن 30 فى المائة من شباب إيران يعانون البطالة وليس هناك ما يحاول دون أن تشتعل ثورة الغضب لتصبح أشد عنفاً إذا أصر نظام الحكم على أولوياته الراهنة فى الإنفاق على تصدير الثورة.