بقلم ـ مكرم محمد أحمد
رغم بعض الإشارات الإيجابية التى وردت فى تقارير بعض الصحف الأجنبية عن الانتخابات الرئاسية خلال اليومين الماضيين، تكاد تتسم تغطية الصحافة الأجنبية بالسلبية وسوء القصد وعدم الإنصاف وغياب الموضوعية الكامل، فضلاً عن اعتقاد راسخ يسيطر على معظم هذه الصحف، بأن ثورة 30 يونيو لم تكُن حدثاً عريضاً مُهماً خرج فيه أكثر من 30 مليون مصرى يطالبون بإسقاط حُكم المُرشد والجماعة فى جميع المحافظات المصرية، وأن الرئيس السيسى أسقط محمد مرسى أول رئيس ديمقراطى حكم مصر فى انقلاب عسكري، أما ثورة يونيو فوهم مطلق لم يقع ولم يحدث ولم يكن له أى تأثير فى حياة المصريين، وفى اعتقادى أننا ينبغى ألا نعول كثيراً على الصحافة الأجنبية فى أن تقول الصدق عن مصر مادامت على موقفها من ثورة يونيو، تُنكر وجودها ولا ترى لها أثراً!
قالت الـ CNN الأمريكية إن الأمر كان أشبه باحتفال عوضاً عن ان يكون منافسة وإن كل لجان التصويت التى زرناها كان بها مكبرات صوت تدعو الناخبين للمشاركة, وإنهم شاهدوا أمام بعض اللجان أطفالاً يرقصون، يرتدون أقمصة كُتب عليها «انزل وشارك» وأن كل الذين سألناهم لم يخجلوا من حماسهم لأنهم أعطوا أصواتهم للرئيس السيسي، وقال ديكلان وولسن فى صحيفة النيويورك تايمز إن الانتخابات تجرى تحت وطأة ما يذاع عن تهديدات جماعات الإرهاب، وكأن مصر تختلق هذه التهديدات غير الموجودة، وربما لهذا السبب ارتدى الرئيس السيسى حلته العسكرية وهو يفتتح قيادة عسكرية جديدة شرق القناة.
وبينما تُعانى بعض الصحف الغربية شيزوفرينيا غريبة تدفعهم إلى تأكيد تواضع حضور الناخبين فى معظم اللجان وان كان هناك حضور كثيف فى بعضها!، وأن أحداً لا يستطيع أن يُنكر أن الرئيس السيسى أنجز فى فترة حكمه الأولى إصلاحات مهمة لكنه يسيطر تماما على موقف الاعلام فى جيبه وخصومه غائبون عن الساحة، وهو المسئول الأول عن عدم وجود منافسين له فى الانتخابات لكن محاولات جماعة الإخوان إظهار توقيع اتفاق الغاز مع إسرائيل وكأنه جزء من التعاون الامنى مع إسرائيل باءت بالفشل الذريع لأن المصريين رفضوا هذه الاتهامات مركزين على أن الاتفاق لا غبار عليه لأنه يحقق مصلحة مصرية، وبينما تؤكد معظم الصحف الاجنبية انه كان هناك حضور لافت فى كثير من اللجان، تؤكد جميع قنوات جماعة الإخوان التى تبث من تركيا أن الشعب المصرى بكامله قد قاطع الانتخابات وأن الحضور كان هزيلاً فى معظم اللجان رغم أن تقديرات الحضور فى اليوم الأول جاوزت 15 فى المائة من عدد المقيدين, بما يشير إلى أن نسبة الحضور ربما تصل فى الأيام الثلاثة إلى 50 فى المائة أو يزيد, وهى نسبة جد عالية قياساً على متوسطات الحضور فى الانتخابات السابقة التى وصلت إلى 47 فى المائة فى انتخابات 2014، حصل فيها الرئيس السيسى على 97 فى المائة من أصوات الحضور، وتقول مؤشرات اليوم الثانى للانتخابات الرئاسية، ان الحضور كان جيدا يكاد يماثل اليوم الاول للانتخابات، وما ينبغى تأكيده هذه المرة أن تغطية الصحف والإعلام المصرى كانت أكثر موضوعية وصدقاً، تتسم بالتوازن والتزام الحقائق دون تهويل، وسواء فضل البعض أن يسمى ما حدث فى اليوم الاول تفويضاً أو استفتاء فإن نسبة الحضور إلى الصناديق الانتخابية التى قاربت 40 فى المائة وربما تتجاوز هذا الرقم خلال الايام الثلاثة تؤكد شرعية الانتخابات الرئاسية بما يجعل الطعن على صحتها أمر غير وارد، وأن الانتخابات الرئاسية وإن لم تكن تنافسية إلا أنها لم تكن أبداً صورية, لأن نسبة كبيرة من الناخبين خرجت الى الصناديق وسجلت قيدها وانتخبت وغمست أصبعها فى الحبر السري، وثمة من يرون أن الرئيس السيسى سوف يحقق نسبة نجاح عالية، يعزوها البعض إلى خروج أقباط مصر بكثافة عالية وإلى أن الكنيسة حرصت فى هذه الانتخابات على أن يكون موقفها معلناً وواضحاً لاعتزازها بالانتماء إلى الأسرة المصرية الواحدة التى تجمعها مع الأزهر الشريف، ويعزوها آخرون إلى خروج السلفيين الواضح حرصاً على تمييز موقفهم عن موقف جماعة الإخوان، لكن الأمر المؤكد أن خروج المصريين إلى الانتخابات الرئاسية عام 2018 شمل كل الأطياف والفئات والجماعات تأكيداً على وحدة الموقف المصرى وصحة الاصطفاف الوطنى الراهن، وأظن أن الدرس الواضح الذى تؤكده انتخابات الرئاسة عام 2018 أن الانتخابات التنافسية هى أفضل صيغة لتحقيق الديمقراطية الصحيحة، وهذا ما أكده الرئيس السيسى الذى أقسم أمام مواطنيه بأنه كأن يأمل فى أن يكون هناك عدد من المنافسين له وأنه لا يتحمل أى جريرة لغياب التنافسية فى هذه الانتخابات، وربما يكون نزول الفريق شفيق للإدلاء بصوته أكبر دليل على أنه لم تكن هناك أى ضغوط، وأن الأمر فى جوهره لا يعدو أن يكون التزاماً صارماً من جانبه بتجنيب المؤسسة العسكرية اى انقسام محتمل فضلا عن تأكيد الفريق شفيق العلنى انه لا يستطيع ان يكون منافسا للرئيس السيسى فى هذه الانتخابات لان الرئيس السيسى يملك فرصة النجاح الكامل.
وأيا كانت المبررات، فإن القول الفصل فى الانتخابات الرئاسية عام 2018 أنها انتخابات صحيحة لا وجه للطعن عليها، صوت فيها لصالح الرئيس السيسى نسبة عالية من الحضور ربما تتجاوز نسب الحضور فى أى انتخابات سابقة، وراقبها عدد غير قليل من المؤسسات الدولية من بينها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبى وبعثات من كل الدول ابتداء من الولايات المتحدة ، وتوافق توقيتها مع عبور مصر بنجاح فائق مرحلة عنق الزجاجة فى أزمتها الاقتصادية وحربها المستمرة على بؤر الإرهاب إلى أن يتم اجتثاث جذور هذه الجماعات.
لكن الانتخابات الرئاسية تمثل بوابة فترة حكم جديدة للرئيس السيسي، تبدأ بوجود دولة آمنة مستقرة استعادت مكانتها الدولية والعربية والإقليمية، تملك خطة طموح للتنمية المستدامة 2030 تحقق الآن معدلات تنمية تربو على 5 فى المائة، تستهدف رفعها خلال السنوات الأربع المقبلة إلى ما يزيد على 7 فى المائة كى يقع تحسن حقيقى ومحسوس فى جودة الحياة المصرية، كما تستهدف خفض معدلات البطالة التى هبطت من 14 فى المائة إلى 11 فى المائة مع بدء الفترة الثانية من حكم الرئيس السيسى الذى يحتاج كل عام إلى تحقيق مليون فرصة عمل جديدة للقضاء على مخزون البطالة ومواجهة القادمين الجدد إلى سوق العمل، وإذا كانت فترة حكم الرئيس السيسى الأولى ركزت على تحسين خدمات الإسكان وإنشاء المدن الجديدة بما فيها العاصمة الإدارية على نحو يدعو إلى الفخر لدقة التنفيذ وإتقانه وسرعته وارتقائه إلى الذوق العام ومراعاة إسعاد الناس، فإن التركيز فى المرحلة الثانية من حكمه سوف ينصب على خدمات الصحة والتعليم التى ينبغى أن تشهد تطورا مؤثرا، يجعل من إلارتقاء بالتعليم المدخل الصحيح لتحقيق نهضة مصرية شاملة ومن الارتقاء بالصحة وتحقيق خلاص المصريين من فيروس سى الكبدى انجازا عظيما، ومن المؤكد أن الفترة الثانية من حكم الرئيس السيسى سوف تشهد تطوراً مهماً فى أساليب الحكم والارتقاء بحقوق الإنسان المصرى وصولاً إلى الحكم الرشيد وتحقيق الديمقراطية المصرية.
نقلاً عن الاهرام القاهرية .
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع