مكرم محمد أحمد
تحتاج مصر إلى وقفة جادة مع الاتحاد الأوروبى تلزمه بإعادة النظر فى سياساته الجديدة تجاه مصر، التى تقوم على فرض شروط سياسية تدس أنفه فى الشأن الداخلى لمصر، لقاء وعود بمعونات مالية هزيلة أغلبها معلق لا يتم تنفيذه، بسبب الأزمة المالية لدول اليورو، بعد أن ضخ الاتحاد الأوروبى ما يزيد على 400 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد فى كل من إسبانيا واليونان!
وإذا جاز للاتحاد الأوروبى أن يتشدد مع دول الجوار الشرقى المتمثلة فى دول أوروبا الشرقية التى تطمح لأن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبى، تلتزم بكل المعايير الاقتصادية والسياسية التى تطبّق فى أوروبا القديمة، فإن علاقات الاتحاد الأوروبى مع دول الجوار الجنوبى المتمثلة فى مصر ودول شمال أفريقا، لا تبرر محاكاة الولايات المتحدة الأمريكية، فى محاولة فرض شروطها السياسية، خصوصاً أن المعونات الأوروبية جد متواضعة ومعظمها يكاد يكون متوقفاً!، تقوم على إعادة تدوير المخصصات القديمة دون أى إضافات جديدة، فى ظل الأزمة المالية الكبرى التى تعتصر دول اليورو.
ورغم إعلان الاتحاد الأوروبى خلال اجتماعات فريق العمل المصرى الأوروبى، التى رأستها مفوضية الشئون الخارجية كاترين أشتون فى نوفمبر 2012، عن حزمة منح ومساعدات لمصر تتضمن 450 مليون يورو فى صورة قرض للمفوضية الأوروبية يتم إتاحته فور اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى، إضافة إلى 90 مليون يورو فى صورة منح من صندوق تشجيع الربيع العربى، و163 مليون يورو فى صورة استثمارات للقطاع الخاص المصرى، إلا أن كل هذه الوعود التى قدّمها الجانب الأوروبى لم يتم ترجمتها بعد إلى قرارات عملية!، ورغم أن دعم الموازنة المصرية يمثل أكثر مطالب مصر إلحاحاً فى ظل العجز المتفاقم للموازنة، فقد تبنى البرلمان الأوروبى، وفى لغة غير مسبوقة، قرارات صدرت فى مارس عام 2013، ترفض تحويل المنح المخصّصة لدعم الموازنة المصرية، ما لم تحقق مصر تقدماً محسوساً فى قضايا حقوق الإنسان والمرأة والأقباط واستقلال القضاء، وجميعها يدخل ضمن أهداف الثورة المصرية التى يوثق الالتزام بها دستور جديد، تم الاستفتاء عليه يرفض التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو اللون أو الدين!
وما يزيد من حاجة مصر الملحة إلى وقفة جادة مع الاتحاد الأوروبى، تقرير المفوضية الأوروبية فى بروكسل الذى صدر مؤخراً! حول مدى تأثير خطة سياسة الجوار بين مصر والاتحاد الأوروبى، الذى تجاهل تماماً ارتكاب جماعة الإخوان المسلمين جرائم عنف وإرهاب تهدد أمن مصر واستقرارها، ولا يزال يزعم أن السلطات المصرية تتعامل مع التظاهرات السلمية لجماعة الإخوان بقسوة بالغة، ترتب عليها سقوط أكثر من 1000 قتيل، فضلاً عن عمليات الاعتقال الواسعة التى شملت الآلاف من أعضاء الجماعة، وهى أرقام غير صحيحة ينفيها تقرير المجلس القومى المصرى لحقوق الإنسان، فضلاً عن التقارير الموثقة التى أرسلتها مصر قبل عدة أسابيع إلى الاتحاد الأوروبى، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن جماعة الإخوان ضالعة بشكل مباشر فى ارتكاب عدد من جرائم الإرهاب، بينها جريمة اغتيال خمسة من جنود الأمن فى مدينة بنى سويف خلال يناير عام 2014، ومع ذلك لا تزال دول الاتحاد الأوروبى تعطى جماعة الإخوان المسلمين ملاذاً آمناً!، ولا تزال لندن تمثل المركز الرئيسى للجماعة خارج مصر، الأمر الذى يعيد إلى ذاكرة المصريين ما حدث قبل 18 عاماً، عندما اتخذت الجماعة الإسلامية من لندن مقراً مهماً لنشاطها، رغم تحذيرات مصر المتكرّرة للحكومة البريطانية من خطر هذه الجماعات على أمن بريطانيا والدول الأوروبية، إلى أن وقعت سلسلة الأعمال الإرهابية الشهيرة التى طالت الكثير من العواصم الأوروبية، واستهدفت محطات المترو والسكك الحديدية وطرق المواصلات!
لقد انتظر المصريون على امتداد ثلاثة عقود، ولعوامل موضوعية كثيرة، أولها الجوار الجغرافى والارتباط الوثيق بين أمن الشرق الأوسط وأمن البحر الأبيض، فضلاً عن أن أوروبا تمثل الشريك الاستراتيجى الأكبر لمصر فى التجارة والاستثمار، انتظر المصريون بسبب هذه العوامل موقفاً أوروبياً أفضل من الموقف الأمريكى، يتفهم ضرورات الحفاظ على أمن مصر واستقرارها لارتباطه بالأمن الأوروبى، ويسهم فى ترشيد الانحياز الأمريكى المطلق لإسرائيل من أجل الإسراع بالتسوية السلمية للصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، وكلما تقدمت أوروبا خطوة على هذا الطريق الصحيح كان الأمل المصرى يتزايد فى إمكان أن يتعاظم الدور الأوروبى، ويمارس دوره المأمول فى الحفاظ على أمن الشرق الأوسط واستقراره، خصوصاً بعد أن حافظت أوروبا على التزامها بأن تكون القدس الموحّدة عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، ودعت إسرائيل إلى أن تكون أكثر عدلاً فى قضية تبادل الأراضى بين الجانبين، وأصدرت قرارها المهم بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية التى يجرى تصنيعها داخل الكتل الاستيطانية على أرض الضفة الغربية، لكن الأوروبيين ما لبثوا أن نكصوا عن مواقفهم بعد ثورة 30 يونيو ليصبح الموقف الأوروبى مطابقاً للموقف الأمريكى، يحاول فرض شروطه السياسية على معونات هزيلة متوقفة، ويحذو حذو واشنطن فى تهديده باستخدام العقوبات ضد شعب لا يريد الإضرار بمصالح أحد، وكل ما يسعى إليه هو الحفاظ على استقلال إرادته الوطنية!، وأظن أن من حق الأوروبيين أن يقلقوا من غياب الاستقرار فى مصر لأنها دولة إقليمية مهمة ذات دور، ولأن الأمن الأوروبى يرتبط بأمن الشرق الأوسط، لكن ذلك يتم بدعم الموقف المصرى فى حربه على الإرهاب، وليس بأن تعطى أوروبا جماعات الإرهاب ملاذاً آمناً كما حدث فى لندن، رغم الوثائق الموجودة فى حوزة الخارجية البريطانية التى تؤكد ضلوع جماعة الإخوان فى جرائم الإرهاب التى تحدث فى مصر.. فهل تلتزم لندن بالمعايير الصحيحة فى إعادة تقييمها للدور التى تلعبه جماعة الإخوان فى بريطانيا، كما وعد رئيس الوزراء البريطانى، أم أن الأمور سوف تمضى على عواهنها إلا أن يتجرع البريطانيون مرة أخرى الكأس نفسها، وتعاود جماعات الإرهاب ارتكاب جرائمها فى لندن وسائر العواصم الأوروبية.